في محاريبهم ويرنون، يصطفون ليلة مظلمة بهماء يبكون، فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياما على أطرافهم محنية (1) ظهورهم يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم، قد اشتدت أعوالهم ونحيبهم وزفيرهم، إذا زفروا خلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفدت في أعناقهم، فلو رأيتهم في نهارهم اذن لرأيت قوما * (يمشون على الأرض هونا) * (2) ويقولون للناس حسنا * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * (3)، * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * (4) قد قيدوا أقدامهم من التهمات، وأبكموا ألسنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس، وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض، وكحلوا أبصارهم بغض البصر عن المعاصي، وانتحوا دار السلام التي من دخلها كان آمنا من الريب والأحزان) (5).
* أقول: ويناسب هنا نقل كلام من راهب عظيم الشأن وهو ما نقل عن قثم الزاهد قال: رأيت راهبا على باب بيت المقدس كالواله فقلت له أوصني فقال: كن كرجل احتوشته السباع فهو خائف مذعور يخاف أن يسهو فتفترسه ويلهو فتنهشه، فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المفترون، ونهاره نهار حزن إذا فرح البطالون).
ثم انه ولى وتركني فقلت له: زدني.
فقال: إن الظمآن يقنع بيسير الماء (6).
* حكاية:
نقل ان كافي الكفاة الصاحب بن عباد:
(استدعى في بعض الأيام شرابا، فاحضروا قدحا، فلما أراد أن يشربه، قال بعض خواصه: لا تشربه، فإنه مسموم.