النصائح الكافية - محمد بن عقيل - الصفحة ٢١٢
للمذهب ولا ريب أن أحرار الفكر والقول قليلون جدا لأن الإنسان مهما كان ذكيا وعالما فضلا عن الجاهل والبليد لا بد أن تطرق سمعه وتحتل ذهنه من حال صغره قضايا ومقدمات تؤثر في دهنه وتنطبع في وجدانه وترسخ فيه بتكرر تعاورها عليه فتجعل بينه وبين ما يخالفها غشاوة تحجب الفكر عن النظر فيه أصالة بل ربما صارت اعتقادا مظنون الصدق فلا يتجاوز الفكر ذلك الاعتقاد ولا يحكم إلا بما يوافقه.
ولا شك أن هؤلاء الأفاضل قد اطلعوا على جميع ما ذكرت من الأدلة القرآنية و النبوية ولكنهم لم يبيحوا لأفكارهم الاستنتاج منها إلا بالمقدار الذي يوافق عقائدهم الراسخة في أذهانهم مما تلقوه عن مقلديهم وتهيبوا مع ذلك عن مخالفتهم الراسخة في أذهانهم مما تلقوه عن مقلديهم وتهيبوا مع ذلك عن مخالفتهم مع اتساع المجال لهم بالتأويل الذي سكنت إليه نفوسهم لمطابقته معتقداتهم ولو أن أولئك الفضلاء أطلقوا لأفكارهم عنان الحرية واستنبطوا أحكام القضايا التي ذكرناها من مصادرها الأولية من الآيات والأحاديث مع تخلية الذهن عما علق به من غيرها وتجريده عما رسخ فيه من أقوال من تقدمهم التي لا حجة بها ولا التفات إليها في مقابلة قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وآله لحكموا قبلي بما حكمت وقالوا كلهم بما قلت على أني لم آت بدعا من القول ولا جديدا من الاعتقاد بل أنا مسبوق في كل ما قلته بأقوال كثيرين هم أتقى لله وأورع وأجل وأفضل وأعلم من أولئك الذين سكتوا عما ذكرت ولم يصنعوا كما صنعت ولكل وجهة هو موليها.
نعم إن كثيرا منهم قد آتاه الله حرية الفكر ولم تتغلب عليه تلك العوامل التي تغلبت على غيره ولكن لم يؤته الله حرية القول فتراه يسكت عن ما يراه صوابا ولا يستطيع الجهر به تهيبا من ذي شوكة أو مداراة للعامة ويتخذ حسن الظن بمن تقدمه عذرا له في سكوته بل قد صرح بعضهم بهذا فقال هكذا وجدنا أقوال كثير من السلف فاحسنا بهم الظن وقلنا كما قالوا ولعل
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»