ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل شيء، ومنها: أن الله جعل نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منها، وجعلها الكوثر والماء المعين للذرية الطاهرة ولم يخصها الله بهذه الكرامة إلا من حيث فضلها وما علمه من إخلاصها في النية والعمل في العبادة، وتعظيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها دليل واضح وبرهان لائح على منزلتها وشأنها، فما معنى أن يقوم لها النبي إجلالا وإكراما ويجلسها مجلسه ويقبل رأسها ويقبل يدها؟ فلو لم يكن لتلك الطاهرة المطهرة مكانة خاصة عند الله لما صنع بها النبي كل ما صنع; لأن فاطمة ابنته وقد أمر الله الولد بتعظيم الوالد، ولم يأمر الوالد بتعظيم الولد، وهذه الأمة مأمورة جميعا بتعظيم الآباء، فتعظيم النبي لابنته لابد أن يكون من باب الاستحقاق الذي أعطاه الله لفاطمة شرفا ومكانة، والنبي يتبع الأمر الإلهي ويفعل ما يريده الله ﴿إن هو إلا وحي يوحى﴾ (1).
ولو لم تكن فاطمة مشرفة بشرف خاص عند الله ومؤيدة تأييدا خاصا، لما أمكنها أن تطوى على الجوع وهي طفلة صغيرة حتى يصفر لونها ثم لا تجزع بل لا تظهر ذلك.. ماذا أقول؟! إني أكتب شيئا وأنت تقرأ شيئا آخر، ليت الموت أعدمني الحياة.
روى المجلسي في عاشر البحار عن عمران بن الحصين، قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسا إذ أقبلت فاطمة وقد تغير وجهها من الجوع، فقال لها: ادني، فدنت منه فرفع النبي يده حتى وضعها على صدرها في موضع القلادة، وكانت فاطمة صغيرة، ثم قال: اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة (عليها السلام)،