ورجع الخلق من حب الدنيا إلى حب المولى بقدر الإمكان، وإذا كان لا معنى للنبوة إلا تكميل الناقصين في القوة النظرية والقوة العملية، ورأينا أن هذا الأثر حصل بمقدم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أكمل وأكثر مما ظهر بسبب مقدم موسى وعيسى على نبينا وآله وعليهما السلام، علمنا أنه سيد الأنبياء وقدوة الأصفياء (1).
وقد تقرر حسب قاعدة اللطف وجوب إرسال الرسل وإتمام الحجة، وتحقق أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن في مكة نبوته وخاتميته، وجاء بكتاب من عند الله، وأظهر المعجزات وخوارق العادات التي أعجزت الجميع، فلم يغلبه غالب بالرغم من أن أغلب الأمم والأقوام كذبوه، وأنه كان في الظاهر فقيرا يتيما وحيدا ويأمر الناس بما يخالف هواهم وآرائهم، والحال كان في مكة حين الدعوة كثيرون أقوى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع ذلك كله غلب الجميع ونصر دعوته وقهر الملوك والسلاطين وما كان أحد يجرؤ على التمرد عليه، وهذا بنفسه معجزة فوق المعاجز. بديهي أن هذا لا يكون إلا بتأييد الله تبارك وتعالى.
والعقل - مستقلا - حاكم في قضية النبوة والخاتمية، فبعد إثبات وجود اللطف ووجوبه على الله، ووجوب إرسال الرسل، فإن عدم مجيء نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه دليل على الخاتمية; وبنفس هذا الدليل تثبت الإمامة والخاتمية بنفسها دليل الأفضلية فضلا عن الأدلة الأخرى.
ولما خلق الله الخلق قسمهم قسمين: ذو روح وجماد، وفضل ذي الروح على الجماد، وقسم ذو الحياة إلى قسمين: نبات وحيوان، وفضل الحيوان على النبات، وقسم الحيوان إلى قسمين: ناطق وغير ناطق، وفضل الناطق على غيره، وقسم