بديهي أن نظر الولي (عليه السلام) نظر الولاية الإلهية العامة، فكيف لا يعرف محبه من مبغضه؟! وعبد الله من عبد الجبت والطاغوت؟ والكلام الصحيح من الكلام الفاسد الخاطئ؟
كيف وقد مر سابقا أن علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يفاض عليه (عليه السلام) بالاستحقاق، وقد قال الله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) (1). قال أبو سعيد الخدري: أي ببغضهم علي بن أبي طالب (2)، فكما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرف مبغض أمير المؤمنين، فكذلك أمير المؤمنين يعرف مبغضيه ويعرف لحن القول، فعلى محبيه أن يبشروا أنفسهم بولايته (عليه السلام)، ويعرضوا عن حطام هذه الدنيا الدنية وتقر أعينهم بمودتها وهي كيمياء السعادة الأخروية، ويتأسوا بإمامهم حيث أعرض عن زخارف الدنيا وأقبل على المشقة والضيق طلبا لرضا الرب.
أنظر إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي خضعت له رقاب الملوك والقياصرة والأكاسرة، وفتح الله عليه الفتوحات العظيم في القلاع والأصقاع والطوائف والقبائل والملوك، وصار في قمة الاقتدار والسلطنة والغنى ولم يكن له سوى بنت واحدة، وهو القائل «أولادنا أكبادنا» (3) وكان لها من العزة والشرف والفضل العميم، ومع ذلك تجدها تقوم بالخدمات الصعبة بنفسها من السقي والطحن وما شاكل وهي في غاية الرضا، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم مدى المشقة التي تعانيها بنته (عليها السلام)، ولكنه يحثها على التحمل ويرغبها في الفقر، وتلك المخدرة تطيع ولا تتبرم أبدا!!