أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا قسيم النعيم والجحيم، قسيم الجنة والنار (١). ويقول للحارث الهمداني: يا حارث غدا يوم القيامة أقول للنار، خذي هذا فهو عدوي، ودعي هذا فهو وليي (٢)، ومع ذلك تراه يغشى عليه مرة بعد مرة من شدة الخوف والخشية، حتى يراه الراوي واقعا في حائط بني النجار كأنه خشبة يابسة فيظنه قد مات، فيسارع إلى بيت فاطمة ليخبرها، فتقول له: لا لم يمت علي، وإنما هي الغشية، وهذا دأبه في كل ليلة (٣).
وكذا كانت فاطمة الطاهرة مع ضعفها وخدمتها في البيت وما تحمله من الجوع أياما بعد أيام، ولكنها كانت - في مقام الخوف والخضوع - تبكي بكاء شديدا وتصلي وتتضرع، ولقد سمعت قول الحسن البصري حيث قال: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تتورم قدماها» (٤).
وكذا كان أبوها، كما في المروي عن عائشة إنها قالت: كان إذا سمع صوت الأذان تغير من الخوف والخشية وغلى صدره كالمرجل (٥)، وهو المخاطب ب «لولاك لما خلقت الأفلاك» (٦) وقال الله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (7)، ولو كان ثمة مقام أعلى من مقام الخوف والخضوع والخشية لاختاره الأنبياء والأولياء، والفرق بينهم وبين غيرهم أن خوفهم - وهم معصومون - من حيث مقام الرهبة