الأصح أربعين عاما غافلا عن الطعام والنوم، وكان يضعف يوما بعد يوم، فبكى حتى أظلم يومه ونحل جسمه من الغم والمحنة والألم والجوع والعطش والوحدة والغربة، وتضرع حتى خافت جميع الملائكة وسكان السماوات السبع والأرض، وتعجبت لغم آدم وحزنه ودهشته من الغضب الإلهي، فحسر سكان العرش والكرسي وملائكة السماوات السبع عن رؤوسهم ومرغوا جباههم على أعتاب العجز وتوسلوا إلى الله: أن يا رب أنت غفار ستار وقابل التوب، وإنك تعلم ما لا يعلمه أحد، ولا جرأة لنا على الشفاعة لآدم، ولكنك ما خلقته عبثا، ونحن نطمع في كرمك وعفوك.
فلما توسل الملائكة إلى الله ماجت بحار الرحمة الإلهية ووصل النداء إلى جبرئيل: أن يا جبرئيل أدرك آدم، فنزل جبرئيل فورا إلى السرانديب فوجد آدم واقعا بين الموت والحياة لا قوة له ولا حول ولا حراك، وقد تناثر لحمه وابيضت عيناه وجرح وجهه من كثرة البكاء، وتخددت وجنتاه حتى برز العظم في وجهه، فاقترب منه جبرئيل وقال: كيف أنت يا آدم؟ سمع آدم صوت جبرئيل وعرفه ولكنه لم يجبه حياء، فخاطبه جبرئيل شفقة ورأفة به وقال: يا آدم أتذكر الأسماء التي علمتكها في روضة الرضوان؟ فقال آدم: يا جبرئيل وهل يبقى في خاطر أحد شيء وهو في مثل هذه الحالة؟
فعلمه جبرئيل تلك الأسماء مرة أخرى، فقال آدم: إلهي أقسم عليك بحرمة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا ما أقلتني عثرتي وغفرت لي زلتي وعفوت عن ذنبي، وبكى حتى أغمي عليه.