يقول: إني خائف منه.
ثم إن العبد المؤمن لابد أن يكون خوفه ورجاؤه متوازنين ككفتي ميزان.
والرجاء: عبارة عن الأمل في رحمة الله الواسعة والطمع فيها، وآثار صدق الرجاء تظهر في العمل، والراجي التارك للعمل كاذب، وليس ما يدعيه رجاء بل هو من الصفات الذميمة، ومثله مثل من لا يحرث الأرض ولا يسقيها ولا يبذر فيها، ثم ينتظر الحاصل والثمر ويقول: إن لي رجاء في هذه الأرض، وهذا عين السفه وليس من الرجاء في شيء.
نعم; عليه أن يعمل العمل الصالح ولا يعتمد عليه وإنما يثق بالرجاء ويطمع في فضل الله، فإذا رأى المؤمن في نفسه غلبة الرجاء على الخوف، بحيث صار سببا للاطمئنان والتقصير في العمل، فعليه أن يبادر إلى معالجة نفسه كما يعالجها الطبيب الحاذق، فيتفكر في عقاب الله، ويتذكر آيات الوعيد، ويضع العذاب الإلهي نصب عينيه، ولو انعكس الأمر وغلب الخوف الرجاء وآيس من رحمة الله، فعليه أن يتفكر في ألطاف الله اللا متناهية وأفضاله ورحمته الواسعة، ويتأمل أخبار الرجاء حتى يوازن بين الكفتين.
ولا يظن أحد أن غاية الخوف تنافي غاية الرجاء، فالخوف والرجاء موطنهما ليس واحدا، بحيث تؤدي زيادة أحدهما إلى نقصان الآخر، فحمل الرجاء الحضرة الأزلية التي لا يصدر منها إلا الفضل والرحمة ولا يخاف منها بحال، وحمل الخوف النفس البشرية وشهواتها ومعاصيها وداخل الإنسان، فالإنسان يخاف من نفسه ومن العقوبات اللازمة لفعله، ويرجو الله ورحمته، فإذا نظر العبد إلى أعماله ازداد خوفه، وإذا نظر إلى فضل ربه ازداد رجاؤه وأمله.