المقدسة متميزة بكمالات وهو في سن الأربعين، ولم تكن هذه الكمالات لغيره من المكلفين، وهو معنى قوله «أدبني ربي أربعين سنة» (1) وأيضا «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» (2) وأيضا «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» (3).
وهذه المقامات لا اختصاص لها بما بعد البعثة، بل كانت في تمام عمره الشريف، حيث كان دائما في أكمل مراتب القرب والوصال، مستغرقا في عنايات الحضرة الأحدية.
ولا يخفى على اللبيب العارف أن العلم بهذه الأحكام الظاهرية والعمل بها تقربا إلى الله ليس أمرا ذا بال لمثل مقام النبوة العالي الرفيع. والإعتزال في غار حراء والاعتكاف فيه شهرا كان لأمر عظيم.
وقد يختلج في ذهن العوام أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن له في هذه المدة المديدة صلاة ولا صوم ولا أي تكليف آخر خاص به، وحاله حال الآخرين، فما من سنة إلا وحضر الناس الموسم وأدوا مناسك الحج وفق الآداب المرسومة بينهم.
نعم; كان النبي يجاريهم بمقتضى الحكمة، ولكنه كان يؤدي تكليفه الخاص في نفس الوقت، فكانت الإفاضات الفياضة على الإطلاق تصله، وكان الملائكة المقربون ينزلون عليه، وكان روح القدس يؤيده قبل التكليف وبعده، وفي صغره وكبره على حد سواء، وهو العقل الكامل، فلا يمكن - والحال هذه - أن يقال: إنه