أتصور الشيطان كلما ارتقيت المنبر وهو يضحك من حديثي ويفرح لترهاتي وكلماتي، لأنه يراني مذكرا غير متذكر وناصحا غير مستبصر، فيجمع أعوانه وأولاده حول منبري فيستهزئون ويسخرون خلافا لبني النوع الإنساني، فيقرأ قسمه الأول ﴿لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين﴾ (١) أعدائي يضحكون وأحبائي - حبا وودا - يبكون، وأنا المسود الوجه تائه بين المحظورين ومتحير بين الحدين. وغدا يوم القيامة - فضيحتي أكبر وشناعتي أكثر، وإذا كشفت حقائق أعمالي وظهرت شقاوة باطني، وجدتني أذل أهل المحشر ولا أحد أسوء حالا مني وقد قال الله تعالى: ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا﴾ (2). «ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ» (3). وقال ذلك الشاعر البصير:
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها * فكيف إذا الرعاة لها الذئاب ولا ذئب أسوء من النفس الأمارة والشيطان المكار، الحي دائما، والثابت على عهده القديم وقسمه الأكيد، والنافذ الحكم في أعماق بدن الإنسان، يجري منه مجرى الدم النجس.. فمن ذا الذي ينجو من كيده وحبائله ويحفظ نفسه من شروره ومكائده؟ قال علي (عليه السلام): «كل ما ألهى عن ذكر الله فهو من إبليس».
والأهم من كل شئ للخطباء والمنبريين رعاية قول الله ورسوله، فلا يكذب فعله قوله، ولا يظهر ما ليس فيه ويبدي ما ليس عليه، فاللباس ولقلقة اللسان وتلفيق الألفاظ وتزويق العبارات وتركيب المطالب المهيجة لا يكون سببا