وحكم العقل والنقل يقتضي أن الإحسان للنفس ألزم وأهم من الإحسان لنفوس الآخرين، وقد ورد في الحديث القدسي:
«يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، ولم تنهون بما لا تنتهون، ولم تأمرون بما لا تعلمون، ولم تجمعون ما لا تأكلون، والتوبة يوما بعد يوم تؤخرون، وعاما بعد عام تنظرون... الخ».
وأنت تعلم أن أحسن المواعظ هي كلام الملك العلام، والله أحسن الوعاظ وخير الواعظين بمفاد قوله ﴿يعظكم الله﴾ (1) وكان الأنبياء والأوصياء - وهم لسان الحق وترجمانه - يشتغلون في ميدان الوعد والوعيد والتحذير والتهديد والإنذار والتبشير.
ثم يكفيكم من العظة ذكر الموت ويكفيكم من التفكر ذكر الآخرة، و «كفى بالموت واعظا» (2).
نعم; فرق بين العالم والجاهل، وللواعظ امتيازات على المتعظ. فغاية الوقاحة وقلة الحياء أن يقول الواعظ قولا عن الله ثم لا يعمل به مع شمول التكليف له، قال الله تعالى: «يا عيسى عظ نفسك [بحكمتي] فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني» (3).
عجبا وأي عجب ممن يغط في نوم الغفلة ولم ينتفع طول عمره باليقظة ثم يريد أن يوقظ النائمين، ومتى يوقظ النائم النائم؟!