الحرام - زاده الله شرفا وفخرا - نيابة، فتركت مبلغا لمعاش العيال، وانصرفت إلى النظر في كتب الأخبار والحديث في طريق الحج حيث الفراغ وهدوء البال والراحة من هم العيال. وكنت أرتقي المنبر إحيانا كلما توقفنا في المنازل إجابة لإصرار بعض الحجاج ثم أختم بالمصيبة، فرأيت النفوس والقلوب مشتاقة متطلعة لسماع حديثي واستماعه.
وبعد العودة استحسن بعض رفقاء السفر أن أرتقي المنبر في المسجد الأعظم السلطاني، وأحدث بما اختزنته في طريق سفري، فامتثلت لهم واشتغلت في الأمر مدة من الزمن بهمة واهتمام تامين ووطنت نفسي على هذا العمل فوصلني - ولله الشكر - مدد غيبي. ونبعت عين الإقبال فتبدلت الوحدة رويدا رويدا بالكثرة، وتبدل العسر باليسر وراج هذا العمل من حيث لا أحتسب، ورأيت فرجا بعد الشدة ومضت علل الأيام السالفة والأعوام السابقة، وانسلخت الذكريات المشوشة لتدخل حيز النسيان.
والآن; أقولها لاظهار الحمد والتحديث بالنعمة وشكر أولياء النعم صرت - وأنا القليل العاجز - في مدة وجيزة من الزمان موردا للألطاف السامية والأفضال الظاهرة النامية لعلماء الأمة وعظماء الدولة، وصار لقولي وفعلي وقعا ووقرا في القلوب الصافية للعامة، وصارت المساجد والمحافل مزدحمة وعامرة بالخواص والعوام لاستماع مواعظي.
فلما انقضت أيام شبابي وذرف عمري على الأربعين، وكللتني عمامة الشيخوخة، تشرفت خلال عدة سنوات في فترات متقاربة بزيارة الأئمة البررة (عليهم السلام) فتذكرت - وأنا في غاية الغنى والتمكن - الذكريات القديمة والمنازل