قريب من مذهبنا فإن عندنا أن آدم كان مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة، وكان بالتناول منها تاركا نفلا فضلا، ولم يكن فاعلا لقبيح، فإن الأنبياء (عليهم السلام) لا يجوز عليهم القبائح لا صغيرها ولا كبيرها; وسيأتي الكلام في ذلك في باب عصمتها (عليها السلام).
وقوله (ولا تقربا هذه الشجرة) أي لا تأكلوا منها وهو المروي عن الباقر (عليه السلام) فمعناه لا تقرباها بالأكل، ويدل عليه أن المخالفة وقعت بالأكل بلا خلاف لا بالدنو منها; ولذلك قال تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما) قيل: النهي عن موجب الشئ موجب لاجتناب ذلك الشئ. وتعلق النهي بالإقتراب - وهو من مقدمات الأكل - للمبالغة، فالقرب يدعو إلى الميل والأكل.
واختلف في الجنة التي أسكن فيها آدم:
فقال أبو هاشم: هي جنة من جنان السماء غير جنة الخلد، لأن جنة الخلد أكلها دائم ولا تكليف فيها.
وقال أبو مسلم: هي جنة من جنات الدنيا في الأرض، وقال: إن قوله (اهبطوا منها) لا يقتضي كونها في السماء، لأنه مثل قوله: (اهبطوا مصرا).
واستدل بعضهم على أنها لم تكن جنة الخلد بقوله حكاية عن إبليس (هل أدلك على شجرة الخلد) فلو كانت جنة الخلد لكان آدم عالما بذلك ولم يحتج إلى دلالة.
وقال الحسن البصري وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وكثير من المعتزلة كالجبائي والرماني وابن الأخشيد: إنها كانت جنة الخلد، لأن الألف واللام للتعريف وصار كالعلم عليها، قالوا: وقول من يزعم أن جنة الخلد من يدخلها لا يخرج منها غير صحيح..» (1).