الجرعة تلو الجرعة حتى يقوى مزاجه الضعيف رويدا رويدا.
وكل ما ذكرناه متعلق ببداية الدعوة، أما في آخر عصر النبوة فقد اكتمل إيمان الناس، والتكليف المقرر لمن كان قبل النبوة هو تكليف الناقصين لا الكاملين.
وتزويج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته من أبي العاص الكافر كان قبل البعثة والنبوة، وهو يعلم عاقبة أبي العاص وإسلامه، كما كان عالما بحال عثمان وبقائه على الإسلام الظاهري، وفي كلا الموردين كان التكليف على الجواز وإباحة النكاح، وكان النكاح رائجا قبل البعثة، وطرقه محددة ومعروفة، وكان نكاح بني هاشم من أرقى المناكح شرعية آنذاك، وكان أبو العاص ينتمي إلى قبيلة خديجة، وعتبة من بني هاشم أيضا، ومع أن أبا لهب كان كافرا بما جاء به النبي إلا أنه لا محيص له من الالتزام بالنكاح المعهود عند بني هاشم، ولا يمكنه العدول عنه بحال، ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عالما بعاقبة عتبة وبقائه على الكفر فقد دعا عليه فلزمته دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهوى في دركات العذاب.
وبعبارة أخرى: لقد بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أربعين سنة من عمره الشريف وكان الوحي ينزل عليه طيلة فترة نبوته حتى اكتمل الكتاب واكتملت الشريعة والأحكام، لأنها لم تنزل عليه دفعة واحدة في اليوم الأول من البعثة، فبلغ الأحكام الإلهية المأخوذة من الكتاب تدريجا إلى العباد، وعليه فالتكليف قبل البعثة وبعدها وفي أوائلها وفي أواخرها يختلف تماما من مرحلة إلى مرحلة، والتكليف بعد إبلاغ الأحكام وإكمال الشريعة من كليات وجزئيات يختلف عما كان عليه أوائل الدعوة.
فأي مشكلة إذن في تزويج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته من كافر يومئذ إذا حصل ذلك حسب التكليف الظاهري، فلما بعث بالنبوة فرق بينهما بمقتضى التكليف الجديد في الآن