قانيا: إن الإسلام على مستويين: ظاهر وباطن. أما ظاهر الإسلام فهو الإقرار بالشهادتين، وبه يحقن الدم وتجوز المناكحة، وأما باطنه فهو الإيمان، قال تعالى: ﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان﴾ (١)، والإيمان هو الدين الذي بعث به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدع بإظهاره، قال تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ (٢).
والدين: هو الصراط المستقيم وهو مسلك العقل الذي يرشد إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويدل عليه، وهو ما عبر القرآن بقوله تعالى: ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه﴾ (٣) فدل عليه وأمر باتباعه، والدين يعني - إجمالا - كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأصول والفروع الإلهية والنواميس السماوية.
وقد بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بداية أمر النبوة ليدعو الناس إلى الإسلام الظاهري قبل أن تنزل تفاصيل الدين فروعا وأصولا، فمن أظهر الشهادتين حينئذ فهو مسلم تجري عليه أحكام الإسلام، فلما وصلت الأحكام إلى سائر الأنام تدريجا، وبلغ النبي الأصول والفروع كاملة، جرى على الناس اسم الإسلام الواقعي - أي الإيمان - بمفاد قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ (4).
وهكذا كان نبي الرحمة يبلغ - تدريجيا - أحكام الله - أصولا وفروعا - حسب ما تقتضيه الحكمة والأمر الإلهي، ويجر الناس من ظاهر الإسلام إلى باطن الإيمان، مثل الطبيب الذي يعالج مريضه بمرور الأيام وتناوب الأوقات، فيعطيه