لبعض الناس في ذلك فتنة). وما رواه ابن مردويه عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، رفعه قال: (رأيت كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا)، فقال: (هي (دنيا تنالهم)، ونزلت هذه الآية، فكلاهما إسناد ضعيف والصحيح ما تقدم، وجزم بما قاله ابن عباس إنها رؤيا عين ليلة الاسراء مجاهد وسعيد بن جبير والحسن ومسروق وإبراهيم وقتادة وعبد الرحمن ابن زيد وغير واحد.
تنبيه: قال ابن دحية: (جنح البخاري إلى أن ليلة الاسراء كانت غير ليلة المعراج لأنه أفرد لكل منهما ترجمة) قال الحافظ: (ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده، بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما، وذلك أنه ترجم باب: كيف فرضت الصلاة ليلة الاسراء، والصلاة إنما فرضت في المعراج، فدل على اتحادهما عنده، وإنما أفرد كلا منهما بترجمة لان كلا منهما يشتمل على قصة منفردة وإن كانا وقعا معا.
القول الثاني: إن الاسراء كان بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، ذهب إلى هذا طائفة واحتجوا بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) [الاسراء: 10] فجعل المسجد الأقصى غاية للاسراء الذي وقع التعجب فيه من حيث أنه كان في بعض ليلة. والتعجب فيه من الكفار تعجب استحالة، ومن المؤمنين تعجب تعظيم القدرة الباهرة. ووقع التمدح بتشريف النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار الكرامة له بالاسراء إليه. ولو كان الاسراء إلى مكان زائد على المسجد الأقصى لذكره تعالى فيكون ذكره أبلغ في المدح من عدم ذكره فيه.
وأجاب الأئمة عن ذلك بأن استدرجهم إلى الايمان بذكر الاسراء أولا، فلما ظهرت أمارات صدقه، وصحت لهم براهين رسالته، واستأنسوا بتلك الآية الخارقة، أخبرهم بما هو أعظم منها، وهو المعراج، فحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم به، وأنزله الله تعالى في سورة النجم. ويؤيد وقوع المعراج عقب الاسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس رضي الله عنه عند مسلم:
(أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس)، فذكر القصة إلى أن قال: (ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا) وحديث أبي سعيد الخدري: بالخاء المعجمة المضمومة وبالدال المهملة.
عند ابن إسحاق: (فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج). فذكر الحديث.
القول الثالث: إن الاسراء كان بالروح وإنه رؤيا منام، مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء وحي بشهادة: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) [الصافات: 102]، وقوله صلى الله عليه وسلم:
(الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) (1).