قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أتيت فقلت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو ذر: فكنت أول من حياة بتحية الإسلام فقال: وعليك السلام ورحمة الله. ثم قال: ممن الرجل؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده فقدعني صاحبي وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت:
كنت من ثلاثين بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: مباركة، إنها طعام طعم وشفاء سقم.
وفي رواية ابن عباس عن أبي ذر قال: أقبلت حتى أتيت مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، واضطجعت. قال: فمر بي علي فقال:
كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال فانطلقت معه لا يسألني عن شئ ولا أخبره فلما أصبحت احتملت قربتي وزادي إلى المسجد أسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس أحد يخبرني عنه بشئ، فظللت ذلك اليوم حتى أمسيت فعدت إلى مضجعي فمر بي علي فقال: أما نال للرجل أن يعرف منزله بعد؟ قلت: لا. قال: انطلق معي. فذهبت معه لا يسألني عن شئ ولا أخبره عن شئ، فلما كان اليوم الثالث فعل ذلك، فأقامه فذهب معه ثم قال له:
ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ فقلت له: إن كتمت علي أخبرتك. وفي رواية: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت. ففعل فأخبرته فقال: أما إنك قد رشدت إنه حق وإنه رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني فإن رأيت شيئا أخافه عليك قمت كأني أريق ماء. وفي رواية:
قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامضي أنت، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي.
فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: اعرض علي الإسلام، فعرض فأسلمت مكاني فقال: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى قومك فأخبرهم بأمري، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت: والذي بعثك بالحق - وفي رواية: والذي نفسي بيده - لأصرخن بها بين ظهرانيهم.
فخرجت حتى آتي المسجد وقريش فيه فناديت بأعلى صوتي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فثار القوم فضربت لأموت. وفي رواية حتى أضجعوني فأدركني العباس فأكب علي ثم قال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار أنه طريق تجارتكم عليهم؟! فأقلعوا عني.
فلما أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فصنع بي ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكب علي وقال مثل مقالته بالأمس.