الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٦٥٥
ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي وأشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي (1)
(١) لا شك ولا ريب أن النكاح سنة من سنن الله تعالى في عباده كما قال تعالى: (وأنكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وإمآئكم إن يكونوا فقرآء يغنهم الله من فضله والله وسع عليم) (سورة النور:
٣٢). والمقصود منه التناسل والتكاثر تحت ظل الشريعة السماوية. ولسنا بصدد بيان ذلك تفصيلا بل نحن عالجنا موضوع الزواج في بحثنا الذي نشرناه في رسالة التقريب تحت عنوان " الزواج من الكتابية - بحث مقارن - " ولكن نحن بصدد تحقيق كتاب ابن الصباغ المالكي وإشارته إلى زواجعلي (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام) والأحاديث بخصوص هذه الخطبة كثيرة ومتعددة غير الرواية التي حققناها في المتن، فنشير إلى بعض منها لأن حياة فاطمة (عليها السلام) متعددة الجوانب فهي في بيت الرسالة وهي الوليدة وهي البنت التي ترعرعت في ظل الوحي و... والممتحنة، والمهاجرة، والزوجة، والأم، والمجاهدة، والبتول، والمحتسبة، والفقيدة و... و....
فإذا كانت فاطمة (عليها السلام) تحمل هذه الصفات والمكانة العالية فمن لا يحب شرف الاقتران بها من كبار الصحابة ووجهاء المسلمين والفوز بمصاهرة أبيها (صلى الله عليه وآله) والذي طالما كان يعرفها بقوله وفعله (صلى الله عليه وآله) كما ورد عن بريده عن أبيه قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي النساء أحب إليك؟ قال: فاطمة...
وعن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة بضعة مني... انظر المناقبلابن شهرآشوب: ٣ / ٣٢٢، ينابيع المودة: ٢٦٠ ط استانبول، بحار الأنوار: ٤٣ / ٥٤، وقد أشرنا سابقا إلى هذه الرواية وغيرها.
لذا فقد اتجهت الأنظار إلى فاطمة (عليها السلام) من قبل الصحابة وأخذ كل واحد منهم يحدث نفسه بالمثول أمام وبين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعلن رغبته في المصاهرة، وهاهو أبو بكر وعمر وغيرهما من أكابر قريش يخطب كل واحد منهم فاطمة (عليها السلام) لنفسة ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذر عن الاستجابه ويقول " لم ينزل القضاء بعد " كما ورد في ذخائر العقبى: ٣٠، والرياض النضرة: ٢ / ١٨٣ وغيرهما. بل في بعض الكتب التاريخية والتفسيرية والحديثية كما ورد عن بعض الصحابة قال: كانت فاطمة (عليها السلام) لا يذكرها أحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أعرض عنه بوجهه حتى كان الرجل منهم يظن في نفسه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساخط عليه أو قد نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وحي من السماء... انظر كشف الغمة: ١ / ٣٥٣، والبحار: ٤٣ / ١٢٤ في حديث طويل و: ٩٩ / ١١، والمناقبلابن شهرآشوب: ٢ / ٣٠، و: ٣ / ١٢٥، إحقاق الحق:
١٠ / ٣٣٢، تفسير علي بن إبراهيم: ٦٥٢.
وانظر أيضا كفاية الطالب: ١٦٤، والغدير: ٢ / ٣١٥، وتاريخ بغداد: ٤ / ١٢٩، أسد الغابة:
١ / ٢٠٦، المناقبللخوارزمي: ٢٤١، الصواعق المحرقة: ١٠٣، والصفوري في نزهة المجالس:
٢ / ٢٠٦، رشفة الصادي للعلوي: ٢٨، وكنز العمال: ٦ / ١٥٣، و: ٥ / ٩٩، كنوز الحقائق: ٢٤١، المناقبلابن المغازلي: ١٠٠، المعجم الصغير: ١ / ٣٧، ينابيع المودة: ٤٣٦، مجمع الزوائد: ٩ / ٢٠٥، محاضرات الأدباء للراغب الإصفهاني: ٤ / ٤٧٧، الطبقات الكبرى: ٨ / ١٤، خصائص النسائي: ٣١ وغيرهم كثير.
إذا لم يرخص الوحي لفاطمة بتزويج نفسها ولم يرخص لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أبوها ونبي الأمه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكيف لا يرخص له بتزويج ابنته (عليهما السلام) فوراء عدم الترخيص سر إلهي، فما هو يا ترى هذا السر؟ والجواب على ذلك يتطلب وقفة مع الأحاديث الواردة بهذا الخصوص.
فمثلا حديث يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لو لا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة ما كان لها كفو على ظهر الأرض من آدم ومن دونه. انظر الكافي: ١ / ٤٦١، والمناقبلابن شهرآشوب: ٢ / ١٨١ و ٢٩ و ٣٠، و: ٣ / ١٢٦ نحوه. وكذلك حديث جبرئيل (عليه السلام):... فزوج النور من النور: النور فاطمة من نور علي فإنى قد زوجتها في السماء... انظر كنز الفوائد: ١ / ٣٢٧ والبحار: ٤٣ / ١٢٣، و: ٣٦ / ٣٦١ ح ٢٣٢ نقلا عن كشف الغمة:
١ / ٤٧٢.
ومثله في كتاب المحتضر: ١٣٣ للحسن بن سليمان نقلا من كتاب الفردوس: ٣ / ٣٧٣ ح ٥١٣٠.
وفي الكافي: ٥ / ٥٦٨ / ٥٤ عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم، وازوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء.
وانظر أمالي الشيخ الطوسي: ١ / ٤٣، وعيون أخبار الرضا: ١ / ١٧٧ / ٣ و ٤، و: ٢ / ٥٩ ح ٢٢٦ و: ٢٦ / ١٢، وصحيفة الرضا: ١٨، وتفسير علي بن إبراهيم: ٦٥٢، والفردوس: ١ / ٣٩٧ ح ١٦٠٢، وذخائر العقبى: ٣٢، وكنز العمال: ٦ / ١٥٣، و: ٥ / ٩٩، مجمع الزوائد: ٩ / ٢٠٤، كنوز الحقائق: ١٢٤ و ٢٤١، كفاية الطالب: ١٦٤، أسد الغابة: ١ / ٢٠٦، الغدير: ٢ / ٣١٥، تاريخ بغداد: ٤ / ١٢٩، المناقبللخوارزمي: ٢٤١، ابن حجر في صواعقة ١٠٣، نزهة المجالس: ٢ / ٢٢٥، رشفة الصادي للعلوي: ٢٨، المناقبلابن المغازلي: ٣٤٦، الطبقات لابن سعد: ٨ / ١٤، خصائص النسائي: ٣١.
إذا فعلاقة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بابن عم أبيها (صلى الله عليه وآله) وأخيه كما يسميه (صلى الله عليه وآله) والذي تربى في بيته بل هو نفسه كما أوضحت الآية الكريمة: (فقل تعالوا ندع أبنآءنا وأبنآءكم ونسآءنا ونسآءكم...) كما أوضحنا ذلك سابقا علاقة إلهية، حتى أنه (عليه السلام) وصف هذه العلاقة بقوله: وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضع ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خلطة في فعل... ولقد أتبعته أتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به... انظر نهج البلاغة / جمع محمد عبدة: ٤١٧ المطبعة الرحمانية بمصر.
أذا السر هو امتداد فرع النبوة والإمامة، ولذا تؤكد السماء ورسولها (صلى الله عليه وآله) على أن عليا وفاطمة وذريتهما هم أهل بيته ومن علي وفاطمة ذريته وأبناؤه وعصبته بقوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقوله (صلى الله عليه وآله) لعمه العباس عندما سأله: يا رسول الله اتحب هذا؟
فقال (صلى الله عليه وآله): يا عم والله لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا... فانظر التفاسير للآية والحديث في كتب الحديث أيضا التي سبق وأن استخرجناه بالإضافة إلى ذخائر العقبى: ٦٢، والاستيعاب: ٤ / 378، وتاريخ ابن كثير: 5 / 321، وتاريخ الخميس: 1 / 408، والصواعق المحرقة: 84، ودلائل الإمامة: 16، ومدينة المعاجز: 147 على سبيل المثال لا الحصر.
وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق فاطمة وعلي ويكون منهما الحسن والحسين (عليهما السلام).