الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٥٩٩
يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة (1) طويل الفكرة، [يقلب كفه ويخاطب نفسه ويناجي ربه] يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه (2) لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، ويعظم أهل الدين ويقرب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد (3) لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه [وهو قائم في محرابه] قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، أبي (4) تعرضت أم إلي تشوقت، هيهات هيهات طلقتك (5) ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كثير (6) وعيشك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، لقد كان والله كذلك، فكيف (7) حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقى دمعها (8) ولا يخفى فجعها (9) (10).

(١) في (أ) الدمعة.
(٢) في (د): تقربه.
(٣) في (ج): فأشهد.
(٤) في (أ): إلي.
(٥) في (ج): قد بتتك.
(٦) في (أ): كبير.
(٧) في (ج): فما.
(٨) في (ب، د): ترقأ عبرتها.
(٩) في (ب، ج): يسكن حزنها.
(١٠) لقد استعمل معاوية أخبث المكائد بعد تسلطه على الكوفة وسيطرته على أصحاب علي (عليه السلام) فسعى أن يجلبهم إلى الشام بشتى الوسائل من دعوات ودية تارة وهروب من ظلم عماله تارة أخرى وبتهديد تارة ثالثة... ثم يحضرهم في مجالسه الغاصة بالرجال واللهو والطرب تارة ورابعة حتى ينالوا من علي (عليه السلام) بكلمة أو تهمة فيستفيد من هذا التأييد سياسته، وممن وقع في حباله ضرار بن ضمرة، ولكن قوة الإيمان دفعته أن يصف إمامه بتلك الكلمات البالغة في الخطورة من نواح شتى، وقال ذلك على ما روى السيد الرضي (رحمه الله) في النهج وباقي شروحه وتحقيقه من أمثال الفيض: ١١٠٨ الكلمات القصار ٧٤، وابن أبي الحديد في شرحه: ١٨ / ٢٢٤، وصبحى الصالح: ٤٨٠ تحت رقم ٧٧، وأمالي الشيخ الصدوق: ٣٧١، وأمالي القالي: ٢ / ١٤٣، ومروج الذهب: ٣ / ٤٣٣، وحلية الأولياء: ١ / ٨٤، وكنز الفوائد: ٢٧٠، والاستيعاب: ٣ / ٤٢، وزهر الآداب: ١ / ٤٠، وتذكرة الخواص: ١١٨، وكشف الغمة: ١ / ٧٦، وتنبيه الخاطر: ٧٠، والمستطرف للأبشيهي: ١ / ١٣٧.
وأنظر في ظلال شرح النهج: رقم ٧٥، وشرح النهج للعلامة الخوئي: ٧٣، وشرح النهج لمحمد عبده: ٧٧، وشرح النهج لملا فتح الله: ٧٢، وشرح النهج لملا صالح: ٧٤، وشرح النهج لابن ميثم: ٦٩ لتجد بعض الاختلاف البسيط. وانظر كذلك كشف اليقين: ١١٦، إرشاد الديلمي: ٢ / ٢١٨، إحقاق الحق: ٨ / ٥٩٨، البحار: ٤١ / ١٤ - ١٥ نقلا عن أمالي الصدوق.
واختلفوا أيضا في ضرار بن حمزة أو حمرة واختلفوا أيضا الضبابي أو الضبائي أو الصدائي أو الصدي كما في ينابيع المودة: ٢ / ١٨٨ ط أسوة فراجع المصادر السابقة، والصحيح هو الضبابي.
ومعاوية أيضا سأل عدي بن حاتم الطائي فأجاب مثل جواب ضرار مع اختلاف بعض الألفاظ، وقال له اخيرا: كيف صبرك عنه؟ قال: كصبر من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ دمعها ولا تسكن عبرتها.
قال: فكيف ذكرك له؟ قال: هل يتركني الدهر أن أنساه؟
طلق الدنيا ثلاثا * واتخذ زوجا سواها إنها زوجة سوء * لا تبالي من أتاها انظر هذا في المناقب لابن شهرآشوب: ٢ / ١٠٣، وسفينة البحار: ٢ / ١٧٠ مادة " عدي " وذخائر العقبى: ١٠٠، المحاسن والمساوئ للبيهقي: ٢ / ٧٢، مصادر نهج البلاغة: ٢٦٤، قصة ضرار بن حمزة في كنز الفوائد: ٢ / ١٦٠ للشيخ الكراجكي الطرابلسي تحقيق الشيخ عبد الله نعمة، دار الأضواء بيروت، وذكر " الكندي " خلافا للمصادر السابقة الذكر مع إختلاف يسير في بعض الألفاظ، وكذلك في الفضائل الخمسة: 3 / 27 لكنه ذكر " الكناني " نقلا عن حلية الأولياء: 1 / 84، وانظر الرياض النضرة: 2 / 12.
(٥٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 597 598 599 600 601 602 603 604 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649