يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة (1) طويل الفكرة، [يقلب كفه ويخاطب نفسه ويناجي ربه] يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه (2) لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، ويعظم أهل الدين ويقرب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد (3) لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه [وهو قائم في محرابه] قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، أبي (4) تعرضت أم إلي تشوقت، هيهات هيهات طلقتك (5) ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كثير (6) وعيشك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، لقد كان والله كذلك، فكيف (7) حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقى دمعها (8) ولا يخفى فجعها (9) (10).