النزاع والتخاصم - المقريزي - الصفحة ١١٩
وأن ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبها للناس بأن أبا بكر رضي الله عنه يصير إمام المسلمين ويخرج من بيته إلى المسجد كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج، ذكره ابن بطال (1).

(١) - وفاء الوفاء: ٢ / ٤٧٢ الباب ٤ الفصل ١٢، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: ٩ / ٥ ذيل ح ٦٨٢١ كتاب المناقب.
دلالة الحديث وجمع ابن حجر وعلى حد كلامه كلام الخطابي وابن رجب الحنبلي والحافظ ابن حجر والطحاوي والقاضي المالكي والكلاباذي ومن قال بقولهم (راجع الحاوي للفتاوى للسيوطي: ٢ / ٥٩ رسالة شد الأثواب بسد الأبواب ولطائف المعارف: ١٠٧ المجلس الثالث في ذكر وفاة رسول الله).
ولذا حاولوا الجمع بين هذه الأحاديث لصحتها جميعا عندهم.
- قال الحافظ ابن حجر: ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى عليا لما ذكره من كون بابه كان إلى المسجد ولم يكن له غيره، وفي الأخرى استثنى أبا بكر. ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها.
- وبها جمع بينهما الطحاوي في مشكل الآثار والكلاباذي في معاني الأخبار (فتح الباري: ٧ / ١٢ - ٢٠ ط. مصر و ٧ / ١٨ ح ٣٦٥٤ ط. دار الكتب العلمية، والقول المسدد: ١٧ - ١٨ ط.
حيدر آباد سنة ١٣١٩ ه‍ الطبعة الأولى، و ١٤٠٠ ه‍ الطبعة الثالثة).
قولنا في دلالة الحديث وأما على رأي ابن حجر والعسقلاني والطحاوي والكلاباذي ومن وافق قولهم كالسمهودي وغيره القائلين بصحة حديث الأبواب في علي على الحقيقة وفي أبي بكر على المجاز، فهم عندهم الحديث يدل على خلافة علي عليه السلام بالحقيقة وعلى خلافة أبي بكر بالمجاز!.
ذلك أن الخطابي وابن بطال وابن حبان والمقريزي وغيرهم أفادوا دلالة الحديث على الخلافة ودعواها. وهذا جمع بين القولين.
وأما جمعهم فيرده أمور:
* الأمر الأول: إن النبي في بادئ الأمر لم يأمر فقط بسد الأبواب بل أمر بسد كل ثقب في المسجد من باب وخوخة أو ما ينظر منه أو كوة، بل ومثل ثقب الإبرة كما تقدم في رواية عمر وبن سهل وجابر بن سمرة وبريدة وعلي.
فالروايات مصرحة بهذا المنع فلا معنى للاستثناء، إلا على القول بمعصية أجلاء الصحابة في أمره، مع قوله في بعض طرقه: (سدوا قبل أن ينزل العذاب).
خاصة أن القول بتكرار القصة دعوى لا دليل عليها في الروايات سوى تأييد قول البكرية في وضعهم لحديث سد الأبواب إلا باب أبي بكر.
* الأمر الثاني: إن هذا الجمع إن أريد منه أن الرسول سد الأبواب إلا باب علي، ثم سد الخوخات إلا خوخة أبي بكر فإنه ينافي الكثير من الروايات المصرحة - والتي منها رواية البخاري في الصحيح - بأن الرسول استثنى باب أبي بكر لا خوخته، التي رويت عن أبي سعيد وأيوب بن بشير ومعاوية وأنس وعائشة ويحيى بن سعد وحكيم بن عمير وأبي الحويرث.
وفي المقابل الروايات المعبرة بالخوخة ليست إلا رواية ابن عمر وابن عباس (يراجع الحاوي للفتاوى للسيوطي: ٢ / ٥٤ - ٥٥ - ٥٦ - ٧٢ رسالة شد الأثواب بسد الأبواب، واللآلئ المصنوعة: ١ / ٣٥٢ مناقب الخلفاء الأربعة).
هذا بناء على أن المراد من الخوخة الكوة لا الباب كما فهمه القاضي المالكي في أحكامه والكلاباذي في معانيه والطحاوي في المشكل.
* وقال السيوطي: قد ثبت بالأحاديث السابقة وقرر العلماء أن أبا بكر لم يؤذن له في فتح الباب، بل أمر بسد بابه، وإنما أذن له في خوخة صغيرة وهي المراد من حديث البخاري (الحاوي للفتاوى للسيوطي: ٢ / ٨٠ ذيل رسالة شد الأثواب بسد الأبواب).
على أنه في ذلك الأزمان لم يكن متعارف سوى الأبواب والنوافذ ولا ثالث.
ويشهد له ما تقدم في الأحاديث من طمع الصحابة ببقاء كوة أو مقدار الإبرة وما شابهه، ولا قائل منهم ببقاء الخوخة إما لعدم الفرق بينها وبين الباب، وإما لعدم وجودها أصلا، فسد النبي صلى الله عليه وآله الأبواب والنوافذ والكوة وما شابه ذلك جميعا، فكيف يصح بعدها أمرهم بسد الخوخات أو النوافذ، وهل هو إلا تحصيل للحاصل!!
هذا مع أنه منافي لما روي أن الرسول سد كل الخوخات إلا خوخة علي (لسان العرب: ٣ / ١٤ باب الخاء مادة خوخ، ونظم درر السمطين: ١٠٨ ط. مطبعة القضاء بمصر).
وإن أريد منه أن الخوخة شبيه الباب أو نفسه - كما هو نص أكثر الروايات كما تقدم، فهذا ما منع منه رسول الله أولا، وهو المرور والدخول من الدور إلى المسجد والروايات مصرحة بذلك.
فلا معنى للاستثناء مرة أخرى لأبي بكر مع عدم وجود المستثنى منه، إذ المفروض أن الصحابة جميعا التزموا بالأمر وسدوا الأبواب والذي منهم أبو بكر كما تقدم التصريح به، فلا معنى للحديث مع الاستثناء، نعم لو وضع البكرية الحديث بنحو: (يا أبا بكر افتح بابك المغلق دون الصحابة) لكان له وجه، لعدم تنافيه مع أحاديث سد الأبواب من الأول، إذ يقال أنه النبي في آخر عمره فتح باب أبي بكر الذي كان مسدودا، ولكن يد التزوير كانت ناقصة!!.
نعم يبتلى بأنه يعارض بقاء باب علي مفتوحا مع أن المتفق عليه بقاء بابه مفتوحا بعد وفاة النبي، إذ النبي لم يستثني من الصحابة - في أحاديث فتح باب أبي بكر - باب علي.
بل أصل أحاديث الباب في أبي بكر لا تصح لأنها لم تستثني باب علي المفتوح.
على أن الهدف من السد هو إلغاء المرور لمن ليس أهلا له لا مجرد إغلاق الأبواب.
نقل المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع: (سدوا هذه الأبواب الشوارع إلى المسجد، فقال عمر دعني يا رسول الله أفتح كوة أنظر إليك تخرج إلى الصلاة!.
فقال: لا (إمتاع الأسماع: ١ / 545 - وفاة الرسول - ذيل الكتاب).
فلاحظ أولا: أن المأمور به سد نفس الأبواب لا الكوة.
وثانيا: من هذا الحديث يعلم أن الرسول لم يأمرهم بسد شئ قبل ذلك لأن عمر كان بابه مفتوح، وكذلك بقية الصحابة، فمتى سد باب أبو بكر؟!.
وهذا دليل على عدم إمكان الجمع، ثم على بطلان أحاديث السد في حق الخليفة الأول، وأنه من وضع البكرية كما قال ابن أبي الحديد، أو بخصوصيته لعلي كما قال الجصاص.
* الأمر الثالث: أن علة سد الأبواب - والتي صرح الرسول في كثير من طرقها بأن الله هو الذي سد أبوابكم وفتح باب علي أو أخرجكم وأدخله - هي طهارة علي وأهل بيته ونجاسة غيره، كما صرحت بذلك رواية أمير المؤمنين المتقدمة واحتجاجه يوم الشورى، ورواية ابن زبالة
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 98 112 113 113 119 119 119 119 132 133 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم وتعليق 7
2 نبذة عن حياة المؤلف 7
3 مشايخه 8
4 مذهبه 9
5 مؤلفاته 10
6 طبعات الكتاب 16
7 تاريخ النزاع 21
8 مذاهب الخلافة وأسبابها 24
9 نصوص النبي على أمير المؤمنين علي 24
10 الأفضلية شرط الخلافة 28
11 ما ورد في صفات الخليفة 42
12 المؤذون لرسول الله صلى الله عليه وآله 50
13 ابعاد النبي صلى الله عليه وآله لبني أمية 63
14 شعب أبي طالب وصحيفة قريش 66
15 فضائح بني أمية 71
16 مرض النبي صلى الله عليه وآله وطلب الخلافة 77
17 لعن بني مروان وبني العاص 81
18 تنزه أهل البيت عن الخلافة وأوساخ الدنيا 87
19 انحصار القطبية والخلافة الباطنية بأهل البيت 88
20 تصريح الصحابة بأحقية علي 98
21 تصريح الحسن والحسين 98
22 تصريح فاطمة 99
23 تصريح أبو بكر وعمر 101
24 تصريح عثمان ومعاوية 102
25 تصريح سلمان 103
26 تصريح العباس 104
27 تصريح أبو سفيان وابن عباس 105
28 تصريح المقداد 106
29 تصريح عمار وأبو ذر 107
30 بقية التصريحات 108
31 مصادر سد الأبواب إلا باب علي 113
32 بعض نصوص حديث سد الأبواب 116
33 صحة حديث سد الأبواب 118
34 جمع ابن حجر في الحديث والرد عليه 120
35 استدلال ابن بطال بالحديث 120
36 نموذج من سرقة الفضائل 127
37 ذكر خلفاء بني العباس وأعمالهم 135
38 تشابه أمة النبي صلى الله عليه وآله بالأمم السابقة 153