النزاع والتخاصم - المقريزي - الصفحة ٢٨
فإن كان الأمر كذلك فليس لبني أمية في شئ من ذلك دعوى عند أحد من أهل القبلة.
وإن كانت إنما تنال الخلافة بالوراثة، وتستحق بالقرابة، وتستوجب بحق العصبة، فليس لبني أمية في ذلك متعلق عند أحد من المسلمين.
وإن كانت لا تنال إلا بالسابقة (1)، فليس لهم في السابقة قديم مذكور، ولا

(١) - الناس في السابقة والفضيلة التي هي شرط الخلافة على طوائف فإليك نموذج منه:
الأفضلية شرط الخلافة * قال السيد المرتضى وابن أبي الحديد: الأفضل من كان أكثر ثوابا من غيره والأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة (شرح النهج: ١ / ٩، و ١٣ / ٢٨١، ورسائل السيد المرتضى: ١ / ٣٠١ مسألة ٥٨، الصواعق: ٣٢١.
* وقال الإمام أبو زرعة: إن المحبة قد تكون لأمر ديني وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل كانت محبتنا الدينية له أكثر (لوامع الأنوار البهية:
٢
/ ٣٥٦ فصل في ذكر الصحابة الكرام - التنبيه الرابع).
* وقال العز بن عبد السلام: الجواهر والأجسام كلها متساوية من جهة ذواتها، وإنما يفضل بعضها على بعض بصفاتها وأعراضها وانتسابها إلى الأوصاف الشريفة في التفاضل النفيسة (لوامع الأنوار البهية: ٢ / ٤١٠ فصل في المفاضلة - التنبيه الخامس.
* وفصل كلام ابن عبد السلام تلميذه القرفي في كتابه أنوار الفروق (أنوار الفروق: ٢ / ٢٣٤) قال:
فأوصل الصفات والأعراض التي يتفاضل على أساسها إلى عشرين قاعدة، وهذا ملخصها.
- القاعدة الأولى: تفضيل المعلوم على غيره بذاته دون سبب يعرض له يوجب التفضيل له على غيره، كذات الله وصفاته، والعلم فإنه حسن لذاته.
- القاعدة الثانية: التفضيل بالصفات الحقيقية كتفضيل العالم على الجاهل.
- القاعدة الثالثة: التفضيل بطاعة الله تعالى، كتفضيل المؤمن على الكافر، وكتفضيل الأولياء بينهم بكثرة الطاعة، فمن كان أكثر تقربا إلى الله تعالى كانت رتبته في الولاية أعظم.
- القاعدة الرابعة: التفضيل بكثرة الثواب الواقع في العمل كالإيمان أفضل من جميع الأعمال، وكصلاة الجماعة أفضل من الفرد.
- القاعدة الخامسة: التفضيل لشرف الموصوف، كصفات الله تعالى، وصفات الرسول صلى الله عليه وسلم.
- القاعدة السادسة: التفضيل بشرف الصدور، كشرف ألفاظ القرآن على غيرها من الألفاظ لكون الرب هو المتولي لرصفه ونظامه.
- القاعدة السابعة: التفضيل بشرف المدلول، كتفضيل الآيات المتعلقة بالله على المتعلقة بأبي لهب.
- القاعدة الثامنة: التفضيل بشرف الدلالة، كشرف الحروف الدالة على الأوصاف الدالة على كلام الله تعالى.
- القاعدة التاسعة: التفضيل بشرف التعلق، كتفضيل العلم على الحياة فإن الحياة لا تتعلق بشئ.
- القاعدة العاشرة: التفضيل بشرف المتعلق، كتفضيل العلم المتعلق بذات الله على غيره من العلوم.
- القاعدة الحادية عشر: التفضيل بكثرة التعلق، كتفضيل علم الله على قدرته.
- القاعدة الثانية عشر: التفضيل بالمجاورة، كتفضيل جلد المصحف على غيره.
- القاعدة الثالثة عشر: التفضيل بالحلول، كتفضيل قبره صلى الله عليه وسلم على جميع بقاع الأرض.
- القاعدة الرابعة عشر: التفضيل بسبب الإضافة، كقوله تعالى: أولئك حزب الله.
- القاعدة الخامسة عشر: التفضيل بالأنساب والأسباب، كتفضيل ذريته على جميع الذراري بسبب نسبهم المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
- القاعدة السادسة عشر: التفضيل بالثمرة والجدوى، كتفضيل العالم على العابد.
- القاعدة السابعة عشر: التفضيل بأكثرية الثمرة، كثمرة علم الفقه على غيره.
- القاعدة الثامنة عشر: التفضيل بالتأثير، كقدرة الله تعالى على العلم والكلام.
- القاعدة التاسعة عشر: التفضيل بوجود البنية والتركيب، كتفضيل الملائكة على الجان.
- القاعدة العشرون: التفضيل باختيار الله تعالى لمن يشاء على من يشاء، ولما يشاء على ما يشاء، فيفضل أحد المتساويين على الآخر من كل وجه، كتفضيل شاة الزكاة على التطوع (لوامع الأنوار البهية: ٢ / ٤١٠ - ٤١٦ فصل في المفاضلة - التنبيه الخامس).
أقول: لا بد من التعليق والتوضيح لبعض مطالبه:
أولا: في ما ذكره من الأمثلة تساهل واضح، ولا تشاح في ذلك.
ثانيا: إن بعض هذه القواعد خارج عن بحثنا ذكرته لإتمام الفائدة.
ثالثا: إن بعض هذه القواعد صحيحة إذا كانت للتفاضل بين صفات الذوات المتحدة، أما إذا كان التفاضل بين صفات الذوات غير المتحدة، أو بين نفس الذوات المتحدة، فإنه لا يرجع إلى محصل.
ومثال الأول: التفاضل بين عامة البشر الذين لا يمتلكون ذوات ملكوتية خاصة من الله عز وجل والذي منه التفاضل بين الصحابة على مبنى أكثر العامة، الذين لا يعتقدون بوجود العصمة المطلقة لأهل البيت عليهم السلام، بل قد يقال - على مبنى القوم - بشمول التفاضل للأنبياء عليهم السلام أما لأفعالهم قبل البعثة أو في غير التبليغ بل حتى في التبليغ، إذ النبي الذي يسهى في صلاته لا يفضل من ناحية الصفات على الشخص العادي الذي لا يسهى، وكذا النبي الذي يرتكب المكروه قبل البعثة لا يفضل على غير مرتكبه، وهذا مدلل على بطلان قولهم في العصمة والتفاضل معا.
ومثال الثاني: التفاضل بين الصحابة وعامة بني البشر وبين المعصومين كالملائكة والأنبياء وأهل البيت عليهم السلام.
ومثال الثالث: التفاضل بين نفس المعصومين أنفسهم، كالتفاضل بين الملائكة والأئمة من أهل البيت والأنبياء عليهم السلام.
وما نحن بصدد الكلام عنه هو التفاضل بين الصحابة وبين أهل البيت عليهم السلام.
وعليه فعلى مبنانا لا وجه للتفاضل بينهم، إذ ذوات أهل البيت المتصفة بالعصمة من الله المنان، مختلفة عن ذوات الصحابة غير المتصفة بذلك، فلا معنى للبحث في التفاضل في الصفات.
وقد تقدم ما يدل على ذلك في بحث آية التطهير الدالة على عصمتهم (في كتاب فضل آل البيت للمقريزي)، وأنها من الله منذ الأزل وإن شئت فعبر تكوينا بإرادته التكوينية.
ولكن على مبنى القوم لا بد من هذا البحث، ونغض الطرف عن اختلاف الذوات.
أما التفاضل بين أهل البيت والأنبياء عليهم السلام فيأتي في الكتاب التاسع.
رابعا: إننا إذا رجعنا إلى بعض الآيات القرآنية وجدناها تفضل على أساس الصفات الحميدة التي يكتسبها الشخص قال تعالى: نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم يوسف: 76 هل يستوي من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم (النحل: 76)..
هل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد (الحديد: 10).
فمن يتصف بالعدل والإنفاق والعلم والشجاعة، أفضل ممن لا يتصف بذلك، والناس في ذلك درجات عند ربهم.
والآيات والروايات صريحة في ذلك، ويكفي قصة آدم والملائكة وكيف أن آدم فضل على الملائكة بالعلم الذي أعطاه الله إياه بقوله: وعلم آدام الأسماء (البقرة: 28)..
والتفضيل - كما بات واضحا - يشمل الثواب في الآخرة وزيادة الأجر، وكذلك يشمل المنزلة والرفعة في الحياة الدنيا وعدم الاستواء.
- وإن شئت قلت: إن الإنسان إذا تصف بالشجاعة والعلم والزهد...
فإنه يصح أن يقال عنه: فلان شجاع أو عالم، فإذا كان علمه أو شجاعته أكثر من غيره فإنه نقول:
فلان أشجع وأعلم، فإذا قيل ذلك صح أن يقال: إن فلان أفضل من غيره في الشجاعة والعلم
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 21 23 24 28 28 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم وتعليق 7
2 نبذة عن حياة المؤلف 7
3 مشايخه 8
4 مذهبه 9
5 مؤلفاته 10
6 طبعات الكتاب 16
7 تاريخ النزاع 21
8 مذاهب الخلافة وأسبابها 24
9 نصوص النبي على أمير المؤمنين علي 24
10 الأفضلية شرط الخلافة 28
11 ما ورد في صفات الخليفة 42
12 المؤذون لرسول الله صلى الله عليه وآله 50
13 ابعاد النبي صلى الله عليه وآله لبني أمية 63
14 شعب أبي طالب وصحيفة قريش 66
15 فضائح بني أمية 71
16 مرض النبي صلى الله عليه وآله وطلب الخلافة 77
17 لعن بني مروان وبني العاص 81
18 تنزه أهل البيت عن الخلافة وأوساخ الدنيا 87
19 انحصار القطبية والخلافة الباطنية بأهل البيت 88
20 تصريح الصحابة بأحقية علي 98
21 تصريح الحسن والحسين 98
22 تصريح فاطمة 99
23 تصريح أبو بكر وعمر 101
24 تصريح عثمان ومعاوية 102
25 تصريح سلمان 103
26 تصريح العباس 104
27 تصريح أبو سفيان وابن عباس 105
28 تصريح المقداد 106
29 تصريح عمار وأبو ذر 107
30 بقية التصريحات 108
31 مصادر سد الأبواب إلا باب علي 113
32 بعض نصوص حديث سد الأبواب 116
33 صحة حديث سد الأبواب 118
34 جمع ابن حجر في الحديث والرد عليه 120
35 استدلال ابن بطال بالحديث 120
36 نموذج من سرقة الفضائل 127
37 ذكر خلفاء بني العباس وأعمالهم 135
38 تشابه أمة النبي صلى الله عليه وآله بالأمم السابقة 153