النزاع والتخاصم - المقريزي - الصفحة ٤٢
معاوية، والمأفون عنده يزيد بن معاوية، والضعيف لا يكون خليفة لأنه الذي ينال القوي منه عند انتشار الأمر عليه، والمداهن لا يكون إماما، ولا يوثق منه بعقد، ولا بوفاء عهد، ولا بضمير صحيح ولا بغيب كريم، والمأفون لا يكون إماما، وهذا الكلام نقض لسلطانه، وعداوة لأهله، وإفساد لقلوب شيعته، وقرة عين عدوه، وعجز في رأيه، فإنه لم يقدر على إظهار قوته، إلا بأن يظهر عجز أئمته (1).

(١) - تفصيل كلام المصنف:
ما ورد في صفات الخليفة قال ابن عباس لعمر: (لا تصلح الخلافة إلا لمن اجتمعت فيه خمس خصال مع تقوى الله والعقل والعلم واللب والحلم والفطنة، وهو من جمع هذا المال من باب حله ووضعه في مواضعه على علم ومعرفة ثم عف عنه من بعد ما جمعه من باب حله، يعني لم ينفقه إسرافا فيما لا يحل، الشديد من غير عنف ولا ضجرة، واللين من غير ضعف) (بدء الإسلام ووقائع الدين: ١٠٢ - ١٠٣ قصة اخلاف الستة، ط صادر / بيروت ١٤٠٦ ه‍.).
وقال عمر: (لا ينبغي أن يلي هذا الأمر إلا رجل فيه أربع خصال: اللين في غير ضعف والشدة في غير عنف والإمساك في غير بخل والسماحة في غير سرف فإن سقطت واحدة منهن فسدت الثلاث) (كنز العمال: ٥ / ٧٦٥ ح ١٤٣١٩ كتاب الخلافة - آداب الإمارة)..
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (ثلاثة من كن فيه من الأئمة صلح أن يكون إماما اضطلع بأمانته: إذ عدل في حكمه ولم يحتجب دون رعيته، وأقام كتاب الله تعالى في القريب والبعيد) (كنز العمال: ٥ / ٧٦٤ ح ١٤٣١٥ كتاب الخلافة - آداب الإمارة)..
وعنه عليه السلام: (على المسلمين بعدما يموت إمامهم... أن لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يبدؤا بشئ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما، عفيفا ورعا عارفا بالقضاء والسنة يجمع أمرهم ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم) (كتاب السقيفة: ١٨٢).
وعنه صلوات الله عليه: (إذا كان عليكم إمام يعدل في الرعية ويقسم بالسوية اسمعوا له وأطيعوا) (كنز العمال: ٥ / ٧٨٠ ح ١٤٣٦٨ كتاب الخلافة - إطاعة الأمير)..
وقال عليه السلام: (حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا) (كنز العمال: ٥ / ٧٦٤ ح ١٤٣١٣ كتاب الخلافة - آداب الإمارة).
وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (إلا أن الأمراء من قريش - ثلاث مرات - ما أقاموا بثلاث: ما حكموا فعدلوا وما عاهدوا فوفوا وما استرحموا فرحموا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (المطالب العالية: ٢ / ٢٠٥ ح ٢٠٥٥، و ٢٠٥٦ باب الخلافة في قريش أخرجه أبو يعلى، وفي هامشه: عزاه البوصيري للطيالسي، وأحمد ابن أبي شيبة، والبزاز).
* وعن سبط ابن الجوزي بسنده إلى عبد الله العجلي قال: خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام يوما على منبر الكوفة فقال: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان مني منافسة في سلطان ولا التماس فضول الحطام، ولكن لأرد المعالم من دينك وأظهر الصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك.
اللهم إنك تعلم أني أول من أناب وسمع فأجاب لم يسبقني إلا رسولك.
اللهم لا ينبغي أن يكون على الدماء والفروج والمغانم والأحكام ومعالم الحلال والحرام وإمامة المسلمين وأمور المؤمنين البخيل لأن نهمته في جميع الأموال، ولا الجاهل فيدلهم بجهل‍ ه على الضلال، ولا الجافي فينفرهم بجفائه، ولا الخايف فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ولا المعطل للسنن فيؤدي ذلك إلى الفجور ولا الباغي فيدحض الحق، ولا الفاسق فيشين الشرع) (تذكرة الخواص: ١١٤ الباب السادس في المختار من كلامه - خطبة المنبرية -)..
وفي كلام الأمير هذا مواطن للتأمل لأنها إشارات إلى أمور سبقت وتجديد لأمور اندرست فلاحظ قوله: لأرد المعالم من دينك وأظهر الصلاح في بلادك!
وقوله: إني أول من أناب وسمع!
وقوله: فيدلهم بجهله على الضلال! فينفرهم بجفائه! فيتخذ قوما دون قوم! فيذهب بالحقوق فيؤدي ذلك إلى الفجور! فيدحض الحق - فيشين الشرع!.
لاحظ ذلك وقارنه بجهل الخلفاء بالسنن، وتعطيلهم لبعض الحدود، وفجور خالد بامرأة مالك ابن النويرة، ففيه إشارات خفية لمن تتبع سيرة الخلفاء وحكامهم.
- وعنه عليه السلام ([إن الله فرض] على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشئ لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضى عن الله بما هو فيه ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا) (تذكرة الخواص: ١٠٦، و ١٠٧ الباب الخامس، ورعه، وزهده)..
وقال عليه السلام: (لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان) (تذكرة الخواص: ١٠٦، و ١٠٧ الباب الخامس، ورعه، وزهده)..
- وكتب الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز:
اعلم يا أمير المؤمنين إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف.
الإمام العادل... كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا ... كالأم السفيقة البرة الرفيقة بولدها ... وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم ... هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم.
... تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده...
لا تحكم يا أمير المؤمنين بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين. (العقد الفريد: ١ / ٤٤ كتاب اللؤلؤة في السلطان - صفة الإمام العادل)..
- وعن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام (إن عليا سأل أبا بكر عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
قال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد، ثم سكت.
فقال علي عليه السلام: والسابقة والقرابة؟
فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة.
فقال علي عليه السلام: أنشدك بالله أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في؟
فقال أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن).
ثم يأخذ الإمام ويحتج على أبي بكر في فضائله فيذكر ثلاثة وثلاثين منقبة تدل على اتصاف الأمير عليه السلام بالصفات المتقدمة - ثم يقول له:
(فبهذا وشبهه تستحق القيام بأمور أمة محمد، فما الذي غرك عن الله وعن رسوله ود ينه وأنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه؟) (الإحتجاج: ١ / ١١٣ - ١٢٩ ذيل احتجاج الأمير على أبي بكر).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الأمراء من قريش ما رحموا ا ذا استرحموا وقسطوا وعدلوا إذا حكموا [وما عاهدوا فوفوا]) (كنز العمال: ٦ / ٤٨ ح ١٤٧٩٠ كتاب الإمارة.، و ١٤ / ٧٦ ح ٣٧٩٨٠، والمعجم الكبير: ١ / ٢٥٢ ح ٧٢٥ ترجمة أنس ما أسند أنس)..
وعن أبي هريرة: (إن لقريش عليكم حقا ما حكموا فعدلوا وائتمنوا فأدوا واسترحموا فرحموا) (مسند أحمد: ٢ / ٥٢٩ ط. بيروت، و ٢ / ٢٧٠ ط. ميمنة)..
- وقال الحسن عليه السلام لمعاوية: (إن الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله صلى الل‍ ه عليه وآله وسيرة صاحبيه وعمل بطاعة الله وليست الخلافة لمن عمل بالجور وعطل الحدود) (ربيع الأبرار: ٢ / ٣٧ ٨ باب الظلم وذكر الظلمة (٤٨)..
وعن طلحة: (يا أبا الحسن أنت أولى بهذه الأمر وأحق به مني لفضلك وقرابتك وسابقتك) (الفتوح لابن أعثم: ١ / ٧٦ ذكر بيعة علي).
وقال بشر بن عمرو لمعاوية: (إن صاحبي ليس مثلك أنه أحق لهذا الأمر منك للفضل في الدين والسابقة في الإسلام) (الفتوح لابن أعثم: ١ / ٢٤٤ ذكر الواقع الثانية بصفين، وتاريخ الطبري: ٥ / ٢٤٣، والكامل في التاريخ: ٣ / ١٢٢ عنهما الغدير: ١٠ / ٣٠٧)..
وقال أبو موسى لمعاوية: (إن هذا الأمر لا يكون بالشرف وغيره مما ذكرت وإنما يكون لأهل الدين والفضل والشدة في أمر الله، مع أني لو أعطيته أعظم قريش شرفا أعطيته عليا) (٣) وقال أبو هريرة وأبو الدرداء: (يا معاوية علام تقاتل علي بن أبي طالب وهو أحق بهذا الأمر منك لسابقته في الدين وفضيلته في الإسلام، وهو رجل من المهاجرين السابقين وأنت رجل طليق، وكان أبوك من الأحزاب) (الفتوح لابن أعثم: ١ / ٢٨٤، واقعة صفين - حديث سودة مع معاوية).
* أقول: من كلام طلحة وبشر وأبو هريرة وأبو الدرداء وأبو موسى يتضح أن مسألة تقدي‍ م الأفضل كانت مسلمة لا نزاع فيها ولا معترض.
وعن الحسن عن أبيه عليه السلام في الرد على معاوية: (فوثب فيها من ليس مثلي، لا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي ولا سابقة كسابقتي وكنت أحق بها منه) (كنز العمال: ١١ / ٣٢٩ ح ٣١٦٤٩، وقعة الجمل).
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وقد سئل عن علي عليه السلام: (أفضلكم علي وأقدمكم إسلاما وأوفركم إيمانا وأكثركم علما وأرجحكم حلما وأشدكم في الله غضبا علمته علمي واستودعته سري ووكلته فهو خليفتي في أهلي وأميني في أمتي) (شواهد التنزيل: ٢ / 356 - 357 ح 1002 و 1003).
- هذه هي صفات الخلفاء والشروط التي لا بد أن تتوفر فيهم: اللين والرأفة في الرعية، الشدة والشجاعة، الكرم وسماحة الكف، السماحة والحلم، الأمانة والعدل، إقامة الكتاب على الجميع، القسمة بالسوية والسهر على الرعية، أعلمهم، وأفضلهم وأفقههم في دين ال‍ له، أبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط، وأصحهم دينا وأفضلهم يقينا، أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهده، أعلمهم بالقضية وأوفرهم إيمانا.... وهل الفاضل إلا صاحب هذه الصفات؟!. فأين بني أمية وغيرهم من هذه الصفات؟!
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم وتعليق 7
2 نبذة عن حياة المؤلف 7
3 مشايخه 8
4 مذهبه 9
5 مؤلفاته 10
6 طبعات الكتاب 16
7 تاريخ النزاع 21
8 مذاهب الخلافة وأسبابها 24
9 نصوص النبي على أمير المؤمنين علي 24
10 الأفضلية شرط الخلافة 28
11 ما ورد في صفات الخليفة 42
12 المؤذون لرسول الله صلى الله عليه وآله 50
13 ابعاد النبي صلى الله عليه وآله لبني أمية 63
14 شعب أبي طالب وصحيفة قريش 66
15 فضائح بني أمية 71
16 مرض النبي صلى الله عليه وآله وطلب الخلافة 77
17 لعن بني مروان وبني العاص 81
18 تنزه أهل البيت عن الخلافة وأوساخ الدنيا 87
19 انحصار القطبية والخلافة الباطنية بأهل البيت 88
20 تصريح الصحابة بأحقية علي 98
21 تصريح الحسن والحسين 98
22 تصريح فاطمة 99
23 تصريح أبو بكر وعمر 101
24 تصريح عثمان ومعاوية 102
25 تصريح سلمان 103
26 تصريح العباس 104
27 تصريح أبو سفيان وابن عباس 105
28 تصريح المقداد 106
29 تصريح عمار وأبو ذر 107
30 بقية التصريحات 108
31 مصادر سد الأبواب إلا باب علي 113
32 بعض نصوص حديث سد الأبواب 116
33 صحة حديث سد الأبواب 118
34 جمع ابن حجر في الحديث والرد عليه 120
35 استدلال ابن بطال بالحديث 120
36 نموذج من سرقة الفضائل 127
37 ذكر خلفاء بني العباس وأعمالهم 135
38 تشابه أمة النبي صلى الله عليه وآله بالأمم السابقة 153