فأين هذا الجور والفساد من عدل الشريعة المحمدية وسيرة أئمة الهدى؟
وأين هذه القسوة الشنيعة مع القرابة القريبة من النبوة؟ (1).
وتالله ما هذا من الدين في شئ، بل هو من باب قول الله سبحانه: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (2).
وكان أبو الجهم بن عطية مولى باهلة من أعظم الدعاة قدرا وأعظمهم غناء وهو الذي أخرج أبا العباس السفاح من موضعه الذي أخفاه فيه أبو سلمة حفص ابن سليمان الخلال وحرسه، وقام بأمره حتى بويع بالخلافة فكان أبو العباس يعرف له ذلك وكان أبو مسلم يثق به ويكاتبه، فلما استخلف أبو جعفر المنصور وجار في أحكامه قال أبو الجهم: ما على هذا بايعناهم إنما بايعناهم على العدل، فأسرها أبو جعفر في نفسه، ودعاه ذات يوم فتغدى عنده، ثم سقاه شربة من سويق لوز.
فلما وقعت في جوفه هاج به وجع فتوهم أنه قد سم، فوثب فقال له المنصور:
إلى أين يا أبا جهم؟
فقال: إلى حيث أرسلتني، ومات بعد يوم أو يومين فقال:
احذر سويق اللوز لا تشربنه * فشرب سويق اللوز أردى أبا الجهم وأما غدره بأبي مسلم فغير خاف على رواة الأخبار (3).