واقتدى به أخوه أبو إسحاق المعتصم فاشتد على الناس في امتحانهم بالقول بخلق القرآن وانتهك أعراضهم وبرح بالضرب الشديد أبشارهم وأخرج العرب قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أقام الله بهم دين الإسلام من الديوان وأسقط عطاءهم، فسقط ولم يفرض لهم بعده عطاء وأقام بدلهم الأتراك، وخلع لباس العرب وزيهم، ولبس التاج وتزيا بزي العجم الذين بعث الله نبيه محمد بقتلهم وقتالهم فزالت به وعلى يديه الدولة العربية، وتحكم منذ عهده وأيام دولته الأتراك الذين أنذر الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فغلبوا من بعده على الممالك وسلطهم الله على ابنه جعفر المتوكل فقتلوه، ثم قتلوا ابن ابنه أحمد المستعين وتلاعبوا بدين الله وتغلبوا على الأطراف كلها.
وفعل المتوكل (1) جعفر بن المعتصم في خلافته من الانهماك في الترف المنهي عنه ما يقبح مثله من آحاد الرعية، وجهر بالسوء من القول في أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حتى قتله الله بيد أعوانه وأنصار دولته.
فقام من بعده ابنه محمد المنتصر (2) فأتى بطامة لم يسمع في الجور نظيرها وهو أنه كتب إلى الآفاق بأن لا يقبل علوي ضيعة ولا يركب فرسا إلى طرفة من الأطراف، وأن يمنعوا من اتخاذ العبيد، إلا العبد الواحد، ومن كان بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة من سائر الناس قبل قول خصمه فيه ولم يطلب بينة، وقرئ هذا الكتاب على منبر مصر.
فبالله هل سمع في أخبار الجائرين أهل العناد والشقاق بمثل ما أمر به هذا