وشيخهم لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، وعالمهم خب مواه (1) مستحوذ عليه هواه، متمسك بعاجل دنياه، أشد هم عليك إقبالا، يرصدك بالغوايل.
ويطلب الحيلة بالتمني، ويطلب الدنيا بالاجتهاد، خوفهم أجل، ورجاؤهم عاجل، لا يهابون إلا من يخافون لسانه، ويرجون نواله، دينهم الربا، كل حق عندهم مهجور، يحبون من غشهم، ويملون من داهنهم، قلوبهم خاوية.
لا يسمعون دعاء ولا يجيبون سائلا، قد استولت عليهم سكرة الغفلة، إن تركتهم لم يتركون، وإن تابعتهم اغتالوك، إخوان الظاهر، وأعداء السر، يتصاحبون على غير تقوى، فإذا افترقوا ذم بعضهم بعضا، تموت فيهم السنن، وتحيى فيهم البدع، فأحمق الناس من أسف على فقدهم، أو سر بكثرتهم.
فكن يا بني عند ذلك كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا وبر فيسلب، ولا ضرع فيحلب، فما طلابك لقوم إن كنت عالما أعابوك، وإن كنت جاهلا لم يرشدوك، وإن طلبت العلم قالوا: متكلف متعمق، وإن تركت طلب العلم قالوا: عاجز غبي وإن تحققت لعبادة ربك قالوا: متصنع مراء.
وإن لزمت الصمت قالوا: ألكن، وإن نطقت قالوا: مهذار، وإن أنفقت قالوا: مسرف، وإن اقتصدت قالوا: بخيل، وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك وذموك، وإن لم تعتد بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك، فاصغاك من فرغ من جورهم، وأمن من الطمع فيهم، فهو مقبل على شأنه مدار لأهل زمانه.
ومن صفة العالم أن لا يعظ إلا من يقبل عظته، ولا ينصح معجبا برأيه، ولا يخبر بما يخاف إذاعته. ولا تودع سرك إلا عند كل ثقة، ولا تلفظ إلا بما يتعارفون به الناس، ولا تخالطهم إلا بما يعقلونه، فاحذر كل الحذر، وكن فردا وحيدا.