الذي فيه سيدنا الرضا (عليه السلام)، فقال: أصلحوا لنا موضعا، فإني أريد أن أغسله، فدنوت منه، فقلت خلوه يا أمير المؤمنين، فأخلا نفسه، فأعدت عليه ما قاله سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن، فقال لي: لست أعرض لك في ذلك، شأنك يا هرثمة.
قال: فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط الأبيض قد نصب في جانب الدار، فحملته ووضعته إلى جانب الفسطاط، ووقفت من ظاهره، وكل من في الدار دوني، وأنا أسمع التكبير والتهليل والتسبيح، وتردد الأواني وصوت صب الماء وتضوع رائحة الطيب لم أشم مثله.
قال: فإذا أنا بالمأمون قد أشرف على من بعض داره، فصاح يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله؟ وأين ابنه عنه؟ وهو بمدينة الرسول ونحن بطوس من أرض خراسان؟
قال فقلت: يا أمير المؤمنين إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله، فإن تعدى متعد ومنع من ذلك فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي هو بعده بأن غلب غسل أبيه، ولو توفي أبو الحسن علي ابن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا، ولا يغسله الآن إلا هو من حيث يخفى.
قال: فسكت عني، ثم ارتفع الفسطاط، فإذا أنا بسيدي مدرج في أكفانه، فوضعته على نعشه، ثم حملناه فصلى عليه المأمون وجميع من حضر.
ثم جئنا إلى موضع القبر، فوجدتهم يضربون المعاول من فوق قبر هارون الرشيد ليجعلوه قبلة لقبره، والمعاول تنبو عنه، فقال: ويحك يا هرثمة أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك الرشيد لا أضرب غيره.
قال: إذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا؟ فقلت له: أخبرني أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره، وأنني إذا ضربت هذا المعول الواحد يصير القبر محفورا