بقوا يوما وليلة عند قبر الحسين واعترفوا بخطيئتهم وأخذوا العهود على أنفسهم وهم يبكون وكان الزحام على القبر أشد منه عند الحجر الأسود في مكة (1). ثم ساروا عبر الفرات فأخذوا على الحصاصة ثم على الأنبار ثم على الصدود (أو صندوده) ثم على القيارة وهيت وخرجوا من هيت حتى انتهوا إلى قرقيسيا وبها زفر بن الحارث الكلابي على رأس بني قيس يعارض حكم الأمويين فوضع لهم سوقا فتسوقوا منها. ثم أخبرهم بتحركات عبيد الله وكان آنذاك في الرقة ونصحهم قائلا: (إني للقوم (أصحاب عبيد الله والأمويين عامة) عدو وأحب أن يجعل الله عليهم الدائرة وأنا لكم واد أحب أن يحوطكم الله بالعافية إن القوم قد فصلوا من الرقة فبادروهم إلى عين الوردة فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم وما بين مدينتنا ومدينتكم فأنتم له آمنون) (2).
ففعلوا كما أشار زفر فانتهوا إلى عين الوردة فنزلوا في غربيها وعسكروا واستراحوا تحمي ظهورهم المدينة. وأقاموا هناك خمسة أيام قبل أن تهاجم فرقتان من فرق جيش الشام الخمس. وبدأت المعركة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من جمادي الأولى سنة 65 ه (يوم الأربعاء 4 يناير سنة 685) واستمرت حتى يوم الجمعة (3). وقاتل الشيعة قتال الأسود ولكن رمي النبال قضى عليهم فلم ينج منهم إلا قليل أنبهم ضميرهم لأنهم لم يبلغوا هدفهم. ولم يطاردهم في انسحابهم أحد والتقوا في الطريق بإخوانهم من أهل البصرة والمدائن لم يصلوا إلى الميدان في الوقت المناسب فقرروا العودة إذ كان الاوان قد فات. فبكى الجميع ومضوا بعد ذلك في طريقهم.