التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٢٢
كان النهج الذي سار عليه الإمام في حكمه نهج الإسلام الذي يستجيب لحاجات عامة الناس في الكرامة، والرخاء، والحرية.
وكان هذا النهج يتعارض، بطبيعة الحال، مع مصلحة طبقة الأعيان وزعماء القبائل الذين اعتادوا على الاستماع بجملة من الامتيازات في العهد السابق على خلافة أمير المؤمنين علي (ع).
وقد كان لهذه الطبقة ذات الامتيازات أعظم الأثر في الحيلولة بشتى الأساليب دون تسلم الإمام للسلطة في الفرص التي مرت بعد وفاة رسول الله (ص)، وبعد وفاة أبي بكر، وبعد وفاة عمر، ولكنه بعد وفاة عثمان تسلم السلطة على كراهية منه لها، وعلى كراهية من النخبة له، فقد قبلت به مرغمة لأن الضغط الذي مارسته الأكثرية الساحقة من المسلمين في شتى حواضر الإسلام شل قدرة النخبة المالية وطبقة الأعيان على التأثير في سير الأحداث، فتكيفت مع الوضع الجديد الذي وضع الإمام عليا - بعد انتظار طويل - على رأس السلطة الفعلية في دولة الخلافة.
وقد كشفت الأحداث التي ولدت فيما بعد عن أن هذا التكيف كان مرحليا، رجاء أن تحتال في المستقبل، بطريقة ما - لتأمين مصالحها وامتيازاتها.
وحين يئست طبقة الأعيان هذه من إمكان التأثير على الإمام وتبددت أحلامهم في تغيير نهجه في الإدارة وسياسة المال وتصنيف الجماعات تغييرا ينسجم مع مصالحهم فيحفظ لها مراكزها القديمة، ويبوئها مراكز جديدة ويمدها بالمزيد من القوة والسلطات على القبائل والموالي من سكان المدن والأرياف... حين يئست هذه الطبقة من كل هذا وانقطع أملها.. طمع كثير من أفراد هذه الطبقة بتطلعاته إلى الشام ومعاوية بن أبي سفيان، فقد رأوا في نهجه وأسلوبه في التعامل مع أمثالهم ما يتفق مع فهمهم ومصالحهم... وتخاذل بعض أفرادها عن القيام بواجباتهم العسكرية في مواجهة النشاط العسكري المتزايد الذي قام به الخارجون عن الشرعية في الشام، هذا النشاط الذي اتخذ في النهاية طابع الغارات السريعة وحروب العصابات.
وكان تخاذلا لا يمكن تبريره بجبنهم فشجاعتهم ليست موضع شك على الإطلاق.
ولا يمكن تبريره بقلتهم، فقد كانت الأمة قادرة على أن تزود حكومتها الشرعية
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»