في هذه الحالات وأمثالها على المسلم المستقيم أن يبرأ من الإنحراف في قلبه، وأن يدينه علنا بلسانه، وأن ينخرط في أي حركة يقودها الحاكم العادل لتقويم الإنحراف بالقوة إذا اقتضى الأمر ذلك.
قال عليه السلام، فيما يبدو أنه تقسيم لمواقف الناس الذين كان يقودهم من المنكر المبدئي الخطير الذي كان يهدد المجتمع الإسلامي كله في استقراره، وتقدمه، ووحدة بنيه:
فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك المستكمل لخصال الخير. ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة.
ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الأحياء 1.
ونلاحظ أن الإمام سمى التارك، في هذه الحالة الخطيرة، لجميع مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميت الأحياء ونفهم صدى هذا الوصف إذا لاحظنا أن إنسانا لا يستشعر الأخطار المحدقة بمجتمعه، ولا يستجيب لها أي استجابة، حتى أقل الاستجابات شأنا وأهونها تأثيرا، وأقلها مؤونة وهي الإنكار بالقلب الذي يقتضيه مقاطعة المنكر واعتزال أهله - أن إنسانا كهذا بمنزلة الجثة التي لا تستجيب لأي مثير، لأنها خالية من الحياة التي تشعر وتستجيب.
ويقول عبد الرحمان بن أبي ليلى الفقيه، وهو ممن قاتل مع الإمام في صفين، أن الإمام كان يقول لهم حين لقوا أهل الشام:
أيها المؤمنون. إنه من رأى عدوانا يعمل به، ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه. ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق، ونور في قلبه اليقين 2.