فريضة مرنة تستجيب للحالات المتنوعة، وللأوضاع المختلفة. فرب إنسان تنفع في ردعه الكلمة، ورب إنسان لا ينفع في شأنه إلا العنف.
ولكل حالة طريقة أمرها ونهيها التي يقدرها الآمر والناهي العارف، ويتصرف بقدرها فلا يتجاوزها إلى ما فوقها حيث لا تدعو الحاجة إليه، ولا ينحط بها إلى ما دونها حيث لا يؤثر ذلك في ردع السفيه عن غيه وحمله على الاستقامة والصلاح.
وثمة حالات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد فيها من القتال، وهذه حالات تحتاج إلى أن يقود عملية الأمر والنهي فيها الحاكم العادل. وفي هذه الحالات الخطيرة جدا لا يجوز لآحاد الناس أو جماعاتهم أن يقوموا بها دون قيادة حاكم شرعي عادل.
وإذا كانت مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتدرج صاعدة من الإنكار بالقلب إلى الإنكار باللسان إلى الإنكار باليد، وللإنكار باللسان درجات، وللإنكار باليد درجات...
وإذا كانت الحالات العادية للأمر والنهي تتفاوت في خطورتها وأهميتها بما يستدعي هذه المرتبة من الإنكار أو تلك...
فإن الحالات الكبرى التي لا بد فيها من تدخل الحاكم العادل والأمة كلها قد تبلغ درجة من الخطورة لا بد فيها من الإنكار بالقلب واللسان وأقصى حالات الإنكار باليد - أعني القتال.
وهذا هو ما كان يواجهه المجتمع الإسلامي في عهد الإمام عليه السلام، متمثلا تارة في ناكثي البيعة الذين خرجوا على الشرعية واعتدوا على مدينة البصرة، ولم تفلح دعوته لهم بالحسنى في عودتهم إلى الطاعة واضطروه إلى أن يخوض ضدهم معركة الجمل في البصرة. أو المتمردين على الشرعية في الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان الذي رفض جميع الصيغ السياسية التي عرضها عليه الإمام ليعود من خلالها إلى الشرعية. أو المارقين الخوارج على الشرعية والذين رفضوا كل عروض السلام التي قدمت لهم، وأصروا على الفتنة ومارسوا الإرهاب ضد الفلاحين والآمنين والأطفال والنساء...