التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٢١
في الغالب لأنها لم تلتزم بقضية شعبها ووطنها وإنما تخلت عن هذه القضية سعيا وراء آمال شخصية وغير أخلاقية...
أكثر من هذا: لقد اتهم الإمام هذه النخبة مرارا بأنها خائنة. ومن مظاهر عدم التزامها بقضية شعبها أو خيانته هو تخليها الذي لا مبرر له عن ممارسة واجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذ يئس الإمام من التأثير الفعال في هذه النخبة فقد توجه بشكواه رأسا إلى عامة الشعب محاولا أن يحركه في اتجاه الإلتزام العملي بقضيته العادلة، موجها وعيه نحو الأخطار المستقبلية، محذرا له من تطلعات نخبته.
نجد هذا التوجه نحو عامة الشعب مباشرة ظاهرا في الخطبة القاصعة التي تضمنت ألوانا من التحذير، النابض بالغضب، من السقوط في حبائل النخبة.
وكانت قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - فيما يبدو - والتراخي أو اللامبالاة التي تظهرها النخبة نحو هذه القضية - إحدى أشد القضايا إلحاحا على ذهن الإمام وأكثرها خطورة في وعيه.
وكان أسلوب التنظير بالتاريخ إحدى الوسائل التي استعملها الإمام في تحذيره لشعبه وفي تعليمه الفكري لهذه الفريضة.
لقد كانت شكواه وتحذيراته المترعة بالمرارة والألم نتيجة لمعاناته اليومية القاسية من مجتمعه بوجه عام ومن نخبة هذا المجتمع بوجه خاص.
ولا بد أن هؤلاء وأولئك قد سمعوا من الإمام مرارا كثيرة مثل الشكوى التالية التي قالها في أثناء كلام له عن صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل:
إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون ضلالا. ليس فيهم سلعة أبور 1 من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر 2.

(١) أبور - على وزن أفعل - من البور، الفاسد، بار الشئ أي فسد، وبارت السلعة أي كسدت ولم تنفق، وهذا هو المراد هنا: أن العمل الحق بالقرآن كاسد لا يقبله الناس ولا يتعاملون معه.
(2) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 17.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»