التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٢٥
الإمام على فضحها، أن تتظاهر في بعض الحالات بالغيرة والحمية الدينية، فتتخذ مواقف لفظية آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر دون أن تترجم ذلك إلى أفعال وممارسة عملية، شأنها في ذلك شأن الكثيرين ممن يسترون خياناتهم وأنانيتهم، وحرصهم على المتاع الدنيوي بالمواقف الأخلاقية اللفظية.
ولكن الإمام عليا كان يعرف هؤلاء، ومن السهل معرفتهم في كل زمان، وكان يفضح هذه المواقف المنافية بقسوة، لأنها تضيف إلى جريمة الخيانة السياسية رذيلة النفاق والتمويه على بسطاء الناس، فيقول مبصرا مجتمعه بفساد العلاقات الناشئ من فساد النخبة:
... وهل خلقتم إلا في حثالة 1 لا تلتقي إلا بذمهم الشفتان، استصغارا لقدرهم، وذهابا عن ذكرهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ظهر الفساد فلا منكر مغير، ولا زاجر مزدجر. أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده؟ هيهات! لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته.
لعن الله الآمرين بالمعرف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به 2.
* وإذا كانت مصلحة الحكم المستبد الطبقي أو الفئوي تقضي بأن يصمت الشعب ولا يرتفع منه صوت اعتراض أو احتجاج، أو إدانة مهما أصابه من مظالم، ومهما حل بحقوقه من انتهاكات، فإن مصلحة الحكم الشعبي الملتزم بالمصالح الحقيقية للناس العاديين البسطاء هي على العكس من ذلك... إن مصلحة هذا الحكم الذي يستمد فاعليته وقوته من مجموع الشعب هي في أن يتكلم الناس في الشأن السياسي مؤيدين أو منتقدين لحماية مصالحهم الحقيقية في مواجهة البنى العليا في المجتمع التي تتبع سياسات مضادة لمصالح مجموع الشعب على المدى القريب أو البعيد، والتي تعمل

(1) الحثالة: الردئ من كل شئ.
(2) نهج البلاغة - الخطبة رقم 129.
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»