التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١١٩
ونلاحظ هنا أن الإمام وضع للإنكار بالسيف - وهو أقصى مراتب الإنكار باليد - شرطا، هو أن تكون الغاية منه إعلاء كلمة الله لا العصبية العائلية أو العنصرية، ولا المصلحة الخاصة، والعاطفة الشخصية. وهذا شرط في جميع أفعال الإنسان، وفي جميع مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن الإمام عليه السلام صرح به في هذه المرتبة لخطورة الآثار المترتبة على القيام بها من حيث أنها قد تؤدي إلى الجرح والقتل.
* ويقدر الإمام أن كثيرا من الناس يتخاذلون عن ممارسة هذا الواجب الكبير فلا يأمرون بالمعروف تاركه ولا ينهون عن المنكر فاعله بسبب ما يتوهمون من أداء ذلك إلى الإضرار بهم: أن يعرضوا حياتهم للخطر، أو يعرضوا علاقاتهم الاجتماعية للاهتزاز والقلق، أو يعرضوا مصادر عيشهم للانقطاع... وما إلى ذلك من شؤون.
وقد لحظ الشارع هذه المخاوف، فجعل من شروط وجوب الأمر والنهي عن المنكر عدم ترتب ضرر معتد به على الآمر والناهي.
ولكن كثيرا من الناس لا يريدون أن يمسهم أي أذى أو كدر. وهذا موقف ذاتي وأناني شديد الغلو لا يمكن القبول به من إنسان يفترض فيه أنه ملتزم بقضايا مجتمعه كما هو شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. فهو إنسان يستبد به القلق لأي انحراف يراه، ويدفعه قلقه وأخلاقه إلى أن يتصدى للانحراف بالشكل المناسب، وهو الذي قال فيه الامام في النص السابق المستكمل لخصال الخير.
لقد نبه الإمام - في موضعين من نهج البلاغة على أن التخاذل عن الأمر والنهي خشية التعرض للأذى ناشئ عن أوهام ينبغي أن يتجاوزها المؤمن الملتزم بقضية مجتمعه، فلا يجعلها هاجسه الذي يشله فيحول بينه وبين الحركة المباركة المثمرة، فقال الإمام فيما خاطب به أهل البصرة في إحدى خطبه، وقد كانوا بحاجة إلى هذا التوجيه، لما شهدته مدينتهم، وتورط فيه كثير منهم من فتنة الجمل:
وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه، وإنهما لا يقربان من
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»