وهذا التشرذم يؤدي: أما إلى العجز عن اتخاذ مواقف موحدة على الصعيد القومي أو الوطني نتيجة لتعدد الإرادات والميول، وأما إلى الاستسلام للدعاية السياسية التي يخطط لها وينفذها فريق من ذوي الأغراض والغايات الخاصة يخضع عقول الناس لمفاهيمه وقناعاته، ويحملها على قبول اختيارات قد لا تنسجم مع المصالح الحقيقية للأمة، وإنما تنسجم مع مصالح هذا الفريق الذي يملك وسائل الدعاية والإعلان والإعلام، وهذا هو ما يحدث في العصر الحديث، ويؤدي إلى كوارث كبرى على الأصعدة الوطنية في بعض الحالات، وعلى الصعيد العالمي في بعض الحالات الأخرى، حيث يعرض سلام العالم كله أو سلام قارة بكاملها لمطامح ومطامع حفنة صغيرة من الناس تكيف عقول شعوب بكاملها، دافعة بها إلى اتخاذ مواقف سياسية تناقض مصالحها الوطنية، ومصالح جميع الشعوب، وقضية فلسطين أكبر شاهد على ما نقول.
لقد نبه الإمام عليه السلام إلى هذا الخطر، وحذر منه مجتمعه، فقال:
فيا عجبا، وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون 1 عن عيب. يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات. المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا. مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم وتعويلهم في المهمات على آرائهم، كأن كل امرئ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات 2.
* وأخيرا، لقد بلغ من خطورة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الإمام علي (ع) أنه جعلها إحدى وصاياه البارزة الهامة لابنيه الإمامين الحسن والحسين.
وقد تكررت هذه الوصية مرتين. إحداهما لابنه الإمام الحسن في وصيته الجامعة