التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٣٢
وحينئذ يقع التعارض بين عقيدة المجتمع الرسمية وشريعته، وبين أخلاقيات وقيم أفراده وفئاته، ففي مجتمع إسلامي، مثلا، أو مسيحي أو بوذي، لا بد أن نكتشف - في حالة شيوع المقياس الذاتي للقيم بين الأفراد - أن التزام المجتمع بعقيدته وشريعته التزام شكلي يرافق الإلحاد العملي.
والأثر الذي يترتب على التزام المقياس الموضوعي للقيم في المجتمع أو المقياس الذاتي هام جدا.
أولا:
يؤدي اعتماد المقياس الموضوعي إلى نمو الفرد دون عقد وتمزقات داخلية، لأنه يوفر حالة التجانس والتكامل بين محتوى الضمير والعقل وبين التعبير السلوكي في العلاقات مع المجتمع وفي داخله.
أما اعتماد المقياس الذاتي فإنه يؤدي إلى خلاف ذلك، لأن اتباع المقياس الذاتي يحدث للفرد تمزقات داخلية وعقدا في نفسه، لأنه يجعله دائما في حالة تعارض وتجاذب بين الزام العقيدة والشريعة وبين رغبات الذات باعتبارها مصدرا للقيم، ويؤدي ذلك إلى انعكاسات ضارة لا تقتصر على الأفراد، وإنما تتجاوزهم إلى المجتمع نفسه.
وثانيا:
إن المقياس الموضوعي بما يوفره من تجانس في داخل الفرد بين أخلاقياته من جهة ومعتقده وشريعته من جهة أخرى يؤدي إلى تلاحم واسع النطاق داخل المجتمع، ويكون لدى المجتمع نظرة إلى المشكلات، ويؤدي أيضا إلى تكوين مواقف واحدة أو متقاربة بين الجماعات تجاه التحديات التي تواجه المجتمع.
أما اعتماد المقياس الذاتي فإنه يؤدي إلى العكس من ذلك. إنه يؤدي إلى تخلخل البنية الاجتماعية، وتعدد الفئات ذات المنازع الفكرية والسياسية المختلفة، ويكون مناخا ملائما لتولد المشاكل الاجتماعية وتعاظمها، لأن المقياس الذاتي لدى الأفراد والجماعات شديد التنوع والاختلاف.
(١٣٢)
مفاتيح البحث: الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 137 138 139 ... » »»