التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١١٦
شنئ الفاسقين وغضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة 1.
وجعل الإمام هذه الفريضة، في كلام له آخر، تتقدم على أعمال البر كلها، فقال:
... وما أعمال البر كلها، والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة 2 في بحر لجي... 3.
ومن السهل علينا أن نفهم الوجه في تقدم هذه الفريضة على غيرها إذا لاحظنا أن أعمال البر تأتي في الرتبة بعد استقامة المجتمع وصلاحه المبدئي - الشرعي والأخلاقي - وأن الجهاد لا يكون ناجعا إلا إذا قام به جيش عقائدي، وهذه كلها تتفرع من الوعي المجتمعي للشريعة والأخلاق، ومن الحد الأدنى للالتزام المسلكي بهما.
* في بعض كلماته بين الإمام جانبا من الأسباب الموجبة لهذا التشريع، فقال:
فرض الله... والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء 4.
فعامة الناس الذين قد يقعون في إثم ترك الواجبات لأنهم لا يعرفونها على وجهها أو يجهلونها، يمكنهم الأمر بالمعروف من التعلم والتفقه، بالإضافة إلى أولئك الذين يقعون في إثم ترك الواجب وهم يعرفون الواجب والحرام حيث يردهم الأمر بالمعروف إلى جادة الصواب والاستقامة، كما يرد إليها السفهاء الذين يتجاوزون في لهوهم وعبثهم حدود الله.
* وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب متدرجة من الأدنى إلى الأعلى، فهي

(1) نهج البلاغة - باب الحكم - رقم النص: 31.
(2) النفثة - كالنفخة لفظا ومعنى بزيادة ما يمازج النفس من الريق عند النفخ.
(3) نهج البلاغة - باب الحكم - رقم النص: 374.
(4) نهج البلاغة - باب الحكم - رقم النص: 252.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»