وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، واللزوم للألفة، والتحاض عليها 1، والتواصي بها.
واجتنبوا كل أمر كسر فقرتهم 2، وأوهن منتهم 3 من تضاغن القلوب 4، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس وتخاذل الأيدي... 5.
ويستمر الإمام في تنظيره التاريخي بتقديم أمثلة محددة من حياة الإسرائيليين والعرب، بعدما كان في تنظيره السابق يذكر الأمم بشكل عام، دون أن يخص بالذكر أمة بعينها:
... وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم: كيف كانوا في حال التمحيص 6 والبلاء. ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء، وأجهد العباد بلاء 7 وأضيق أهل الدنيا حالا. اتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب، وجرعوهم المرار 8، فلم تبرح الحال بهم في ذل الهلكة وقهر الغلبة...
حتى إذا رأى الله سبحانه جد الصبر منهم على الأذى في محبته 9، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم في مضايق البلاء فرجا، فأبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما... فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة 10، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة 11، والسيوف متناحرة، والبصائر نافذة 12، والعزائم واحدة، ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين،