التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٣٠
قال عليه السلام:
... وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شئ من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شئ أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب يومئذ حملته، وتناساه حفظته فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو... فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا... 1.
وتصور الفقرة الأخيرة من هذا النص أبلغ تصوير واقع الانفصال بين الأمة وبين قيادتها الفكرية نتيجة لاغترابها الثقافي، وانفصالها - في مجال تكوين المفاهيم والتوجيه - عن أصولها الفكرية.
وهذا الاغتراب الثقافي - الحضاري الناشئ عن هجر الأصول - وليس عن التفاعل مع الآخرين - يؤدي إلى موقف في المنكر والمعروف خطير، فإن ثمة مقياسين للقيم والمثل الأخلاقية. أحدهما المقياس الموضوعي، والآخر المقياس الذاتي.
المقياس الموضوعي هو الذي يجعل شريعة المجتمع وعقيدته منبعا للقيم الأخلاقية ففي مجتمع إسلامي، مثلا، يكون منبع القيم هو العقيدة والشريعة الإسلاميتان.
وكذلك الحال في مجتمع مسيحي مثلا أو بوذي.
وهذا المقياس يقضي بأن يكون المجتمع ملتزما بعقيدته وشريعته في مؤسساته ونظمه وعلاقاته بدرجة تجعله تعبيرا عن تلك العقيدة والشريعة.
والمقياس الذاتي هو الذي يجعل منبع القيم الأخلاقية شخص الإنسان، فالإنسان في هذه الحالة هو الذي يخترع أخلاقياته وقيمه التي تكيف سلوكه تجاه المجتمع وعلاقاته في داخل المجتمع، ويستبعد هذا المقياس أي مصدر للقيم خارج الذات للقيم والأخلاقيات.

(1) نهج البلاغة - الخطبة رقم 147.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 137 ... » »»