التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٢٩
أما حين تعمل هذه الجماعة ضد مصالح المجتمع العليا والحقيقة - رغم ما توشي به عملها من ألوان خادعة - فإن على المجتمع أن يتحرك ويقف في وجهها، ويلجم اندفاعها ذودا عن مصالحه.
أما سكوت المجتمع وسكونه وسلبيته تجاه مواقف هذه الجماعة فإنه جريمة يرتكبها في حق نفسه، لأن الكارثة حين تقع في النهاية نتيجة لأعمال الجماعة المتحركة لا تميز بين المسببين لها وبين الساكتين عنهم. إنها حين تقع تصيب بشرورها المجتمع كله، بل لعلها، في قضايا السياسة والفكر، تصيب الساكتين عنها أكثر مما تصيب المسببين لها، والذين تكمن مصلحتهم في الإنحراف والتزوير.
ومن هنا فإن ما اصطلح عليه في لغة السياسة في هذه الأيام باسم الأكثرية الصامتة، هذه الأكثرية التي لا تبدي فيما يجري أمامها وعليها ولا تعيد، وإنما تقبل ما يقوم به الآخرون مختارة أو مرغمة، راضية أو ساخطة،... هذه الأكثرية الصامتة بموقفها هذا تقوم بدور الخاذل للحق أو المتواطئ على الجريمة.
وذلك لأن الصمت في هذه الحالات ليس علامة على البراءة والطيبة، وإنما هو علامة الجبن والغفلة والفرار من المسؤولية.
وهذه السلبية التي هي في مستوى الجريمة لا تعفى من العقاب، والعقاب في هذه الحالة لا تقوم به السلطة وإنما تقوم به القوانين الاجتماعية التي تصنع الكارثة، يقوم به القدر الذي لا يميز بين الساكن والمتحرك وإنما يجرف الجميع، يقوم به الله تعالى الذي يؤاخذ الجميع بذنوبهم: المتحركين بذنب المعصية، والساكتين بذنب توفير أجواء الجريمة أمام المجرمين ليرتكبوا جرائمهم.
ولذا، فإن الأكثرية الصامتة، من هذا المنظور، لا تضم أبرياء، وإنما تضم متواطئين وجبناء، سببوا، بإيثارهم للسلامة الشخصية العاجلة، كوارث عامة مستقبلية، وجبنهم الذي يكشف عن أنانيتهم الرخيصة والذليلة يكشف عن أنهم ليسوا جيلا صالحا لأن يبني حياة مزدهرة.
إن الكوارث الاجتماعية، كالكوارث الطبيعية، تجرف في طريقها، حين تقع النبات النافع والنبات الضار، ولا تميز بينهما في الدمار.
(١٢٩)
مفاتيح البحث: الصمت (1)، الجماعة (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»