التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٢٨
واللعن هنا ليس عقابا روحيا وأخرويا فقط، إنه هنا يأخذ معنى سياسيا، إن اللعن هو البعد عن رحمة الله ورعايته، وهذا يعني أن الملعون يتعرض للنكبات السياسية والاجتماعية التي تؤدي به في النهاية إلى الانحطاط والانهيار.
والظاهر أن الإمام يعني بالقرن الماضي الإسرائيليين، فإن في كلامه هنا قبسا من الآية الكريمة:
لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون 1.
* في النص التالي اتبع الإمام أسلوب التنظير بالتاريخ أيضا في تعليمه الفكري لمجتمعه بشأن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معيدا إلى أذهان مستمعيه قصة ثمود القرآنية، والنكبة المرعبة التي أبادتهم حين عصوا أمر الله تعالى إليهم في شأن ناقة نبيهم صالح (ع).
وليس من همنا هنا عرض الحادث التاريخي القرآني، وإنما نبغي الكشف عن استخدام الإمام للتاريخ في تعليمه الفكري.
والإمام في التنظير الوارد في النص التالي يثير مسألة ذات أهمية بالغة في العمل السياسي، وهي أن حركة التاريخ تقودها دائما جماعة قليلة العدد من الناس تملك القدرة على الحركة فتبادر إلى اتخاذ المواقف، في حين أن غيرها من الناس يكون في حالة سكون، فتكون بحركتها وقائع جديدة تحمل الناس على قبولها، وتضع السلطة أمام أمر واقع.
وحين تكون هذه الجماعة المتحركة القليلة العدد ملتزمة بقضايا مجتمعها، عاملة في سبيل مصلحته، فإن واجب المجتمع أن يساندها ويقدم لها العون المعنوي والمادي في جهادها.

(1) سورة المائدة (مدنية - 5) الآية: 78 - 79.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»