التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٩٩
لتحريك الإنسان المسلم في الزمان والمكان.
هكذا يصور الإمام عودة التاريخ.
* وفي خطبة أخرى خطبها الإمام بذي قار 1 وهو في طريقه من المدينة إلى البصرة بعد أن خرج عليه الزبير بن العوام وطلحة بن خويلد وأم المؤمنين عائشة فاتحين بخروجهم أبواب الفتنة التي عصفت بالمسلمين، والحرب الأهلية التي مزقت وحدتهم... هذه الفتنة التي ولدتها القيم الجاهلية التي تنبأ الإمام بها في خطبته الأولى... في هذه الخطبة بين الإمام عليه السلام أن مسيره لمواجهة المظهر الأول للفتنة هو كمسيره مع رسول الله (ص) لمواجهة قوى الجاهلية، وأن الروح المحركة واحدة في الحالين رغم اختلاف المظهر الخارجي الذي قد يوحي للساذجين بخلاف ذلك، ولكنه لا يخدع الخبير.
قال عليه السلام:
... أما والله إن كنت لفي ساقتها 2 حتى تولت بحذافيرها 3 ما عجزت ولا جبنت. وإن مسيري هذا لمثلها، فلأنقبن 4 الباطل حتى يخرج الحق من جنبه. مالي ولقريش!! والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم 5.
كان الإمام يتحدث عن شأن الجاهلية في مواجهة الإسلام، وعن كفاحه مع رسول الله (ص) ضد الجاهلية. ثم بين أن مسيره هذا إلى البصرة لمثل ما كان يكافحه من مظاهر عناد الجاهلية في حياة رسول الله (ص).
إن التاريخ قد عاد، ولكن تحت شعارات جديدة.

(1) ذو قار: موضع قريب من البصرة. اشتهر في التاريخ باعتباره الميدان الذي جرت فيه، أول ظهور الإسلام، في سنة 610 م معركة بين الفرس والعرب حيث هاجم ثلاثة آلاف عربي من قبيلة بكر بن وائل المنطقة الفراتية، وهزموا الفرس هزيمة حاسمة في ذي قار.
(2) الساقة: مؤخرة الجيش التي تسوقه. شبه الجاهلية بجيش مهزوم يطرده ويلاحقه.
(3) ولت بحذافيرها: ذهبت وطردت بأسرها (الجاهلية).
(4) النقب: الثقب.
(5) نهج البلاغة: رقم الخطبة 33.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»