التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٠٩
ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا، ولا لفضله عندكم حسادا، ولا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم 1، وخلطتم بصحتكم مرضهم، وأدخلتم في حقكم باطلهم، وهم أساس الفسوق وأحلاس العقوق... 2.
ثم يعود الإمام إلى التنظير بالتاريخ، مذكرا بالنهايات الفاجعة للأمم والشعوب التي فتكت بها آفة التعصب والتناحر، مقابلا ذلك بالنهج النبوي الإنساني البعيد عن الكبر:
فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته، ووقائعه ومثلاته واتعظوا بمثاوي خدودهم ومصارع جنوبهم... فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه... ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون - عليهما السلام - على فرعون وعليهما مدارع الصوف 5، وبأيديهما العصي، فشرطا له - إن أسلم - بقاء ملكه، ودوام عزه، فقال: (ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل).
ويستمر الإمام في التنظير التاريخي، داعيا مستمعيه إلى فحص المواقف التاريخية التي مرت على الأمم السابقة، وتجنب الاختيارات والتجارب التي أدت إلى الانحطاط والانهيار، واختيار المسلكية التي ثبت بالتجربة صلاحها:
... واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال. فتذكروا في الخير والشر أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم.
فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم، فالزموا كل أمر لزمت العزة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم 6. ومدت العافية به عليهم،

(1) المراد من هذه الجملة وما بعدها أن هؤلاء الزعماء يفسدون بنزعاتهم الشريرة حياتكم وإيمانكم وطهارة نفوسكم.
(2) الأحلاس: جمع حلس. وهو كساء رقيق يكون على ظهر البعير ملازما له، فقيل لكل ملازم أمر: هو حلس ذلك الأمر. فهؤلاء المغدون من رؤساء القبائل ملازمون للعقوق والتنكر لنعم الله ولأحكام الشرع وقواعد الأخلاق.
(3) المثلات والوقائع: يقصد بهما عقوبات الله التي استحقوها نتيجة لانحرافاتهم.
(4) المثوى: المنزل. مواضع حدودهم بعد الموت على التراب، ومصارع جنوبهم: مواقعها بعد الموت على التراب.
(5) مدارع الصوف: جمع مدرعة - بكسر الميم - وهي كالكساء.
(6) زاحت: بعدت. وله: لأجله، يعني: الزموا كل أمر خافتهم الأعداء بسببه.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»