يقول لهم: إن البلية (الفساد الاجتماعي، والانحطاط الأخلاقي والحضاري) التي كانت تسم الحياة العربية في الجاهلية نتيجة لسيادة قيم الجاهلية ونظرة الجاهلية إلى الكون والحياة والإنسان - هذه البلية قد عادت كما كانت عشية بعثة الرسول الأكرم (ص) لأن القيم التي ولدت هذه البلية في الماضي الجاهلي قد دبت فيها الحياة من جديد على حساب القيم الجديدة التي جاء بها الإسلام، هذه القيم التي تقلص نفوذها وتأثيرها، بسبب عوامل متنوعة، على الإنسان المسلم، وأدى ذلك إلى حدوث ثغرات نفذت منها القيم القديمة فعادت من جديد.
ثم أنذر الإمام علي مجتمعه بأن هذه البلية التي عادت ستكون لها آثار مأساوية على المجتمع الإسلامي.
ستنجم عن هذه البلية الأزمات الاجتماعية والثورات التي ستلقي بالمجتمع في غمار حروب أهلية مدمرة، ولا بد أن تكون هذه الأزمات والحروب الأهلية أضرس، وأعم شرا، وأشد فتكا مما كان يحدث في الجاهلية.
ستكون في المجتمع نتيجة لعودة هذه البلية بلبلة (اختلاط وتداخل) وشد وجذب ينتج عن الأزمات والثورات ويولدها.
وسيكون حال المجتمع - نتيجة لهذه البلية العائدة - حال القدر التي تغلي على النار وتختلط فيها المواد، ولا يستقر على حال، ولا ينعم بالطمأنينة، وإنما هو في قلق دائم، واضطراب مستمر.
سيؤدي ذلك إلى الغربلة، وتمييز مواقف الرجال والجماعات، لأن المحن والأزمات تفرز الفئات الاجتماعية، وتحدد سماتها.
ولكن كل ما سيحدث لن يتضمن شيئا من الخير، بل سيعود على المجتمع بالشرور، وسيؤدي بالمجتمع إلى التمزق الذي يشل الفاعلية، ويعطل الطاقات الإيجابية، بل يهددها، ويعوق حركة التقدم.
ستكون جاهلية تتغشى بشعارات الإسلام، جاهلية بعثتها القيم الجاهلية التي عادت إلى الحياة، فكانت هي، بدل القيم الإسلامية الجديدة، الأسباب الموضوعية