قد أفلحت إلى حد بعيد في تمزيق وحدة المجتمع، وإشاعة روح الشك والضغينة بين فئاته السياسية، وداخل كل فئة أيضا. يصور لنا ذلك نص في إحدى خطب الإمام يحذر ويؤنب فيه مجتمعه، قال:
قد اصطلحتم على الغل فيما بينكم 1 ونبت المرعى على دفنكم 2. وتصافيتم على حب الآمال. وتعاديتم في كسب الأموال. لقد استهام بكم الخبث 3، وتاه بكم الغرور 4، والله المستعان على نفسي وأنفسكم 5.
وقد روى ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ما يصور التخريب والتمزيق اللذين كانت تحدثهما هذه الروح القبلية، قال:
وقيل أن أصل هذه العصبية وهذه الخطبة أن أهل الكوفة كانوا قد فسدوا في آخر خلافة أمير المؤمنين، وكانوا قبائل في الكوفة، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته فيمر بمنازل قبيلة أخرى، فينادي باسم قبيلته: يا للنخع! مثلا، أو يا لكندة نداء عاليا يقصد به الفتنة وإثارة الشر، فيتألب عليه فتيان القبيلة التي مر عليها، فينادون: يا لتميم! ويا لربيعة! ويقبلون إلى ذلك الصائح فيضربونه، فيمضي إلى قبيلته فيستصرخها، فتسل السيوف وتثور الفتن، ولا يكون لها أصل في الحقيقة إلا تعرض الفتيان بعضهم ببعض 6.
وما لا يرى ابن أبي الحديد له أصلا نرى له أصلا في دسائس معاوية أو عملائه الذين نقدر أنهم يشجعون أمثال هذه الممارسات القبلية، ويمدونها بمزيد من أسباب