التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٤٥
لماذا أبى علي بن أبي طالب أن يستجيب...؟
لعله كان يأمل أن يمر المجتمع - بعد ما أصاب علاقاته من اهتزاز وتشويه في العهد الماضي - في مرحلة انتقال يقوده فيها رجال لا تتألب عليهم مراكز القوى الجديدة التي تمثل قيم الجاهلية...
ولكن تيار الرغبة كان عارما، كما تعكسه لنا النصوص الآنفة الذكر، ولم يكن من الممكن تحويل ولاء الجماهير وثقتها إلى بديل. لقد كان الرفض يعني الكارثة، لأن القوى الجاهلية كانت قادرة - إذا استمر الفراغ في السلطة - أن تعود من جديد بعد أن تكتل قواها المبعثرة، وحينئذ يحرم المجتمع الإسلامي حتى من تجربة تكون في المستقبل نموذجا وملهما...
ولا نعدم في نهج البلاغة نصوصا تضئ هذه المسألة، وتوحي بقوة أن الإمام كان يفكر على هذا النحو، وذلك كقوله في كلام له عنونه الشريف الرضي ب... يبين سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق:
... اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك 1.
وقوله في كتاب منه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها:
... ولكنني آسى 2 أن يلي 3 أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا 5 والصالحين حربا 6، والفاسقين حزبا... 7.

(1) نهج البلاغة - رقم النص: 131.
(2) آسى: أحزن - الماضي منه: أسيت بمعنى حزنت.
(3) يلي: يكون واليا وحاكما على الأمة.
(4) دولا: جمع دولة، يعني: لئلا يكون المال العام بأيدي السفهاء والفجار يتداولونه بينهم لمصالحهم مهملين مصالح الأمة فيه. والعبارة تومئ إلى قول الله عز وجل (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم - سورة الحشر - الآية 7).
(5) خولا: عبيد، يعني لئلا يستعبدوا الناس ويذلوهم.
(6) حربا - أعداء يحاربونهم.
(7) نهج البلاغة - باب الكتب - رقم النص: 62.
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»