كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع والأحكام.
وكأنه عليه السلام كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه.
ثم قال: (وما علينا إلا الاجتهاد) يقول: أنا أعمل ما يجب علي من الاجتهاد في القيام بالشريعة وعزل ولاة السوء وأمراء الفساد عن المسلمين، فإن تم ما أريده فذاك، وإلا كنت قد أعذرت 1.
* إن الإمام عليه السلام قبل الحكم، إذن، بمزيج من التشاؤم والأمل، ولكن سرعان ما تسرب الذبول إلى شعلة الأمل، فإن القوى المترددة سرعان ما أخذت تنحاز رويدا رويدا نحو المعسكر المناهض للنهج النبوي، إن لم يكن في العلن ففي السر... هذا من جهة، ومن جهة أخرى راحت الجماهير الغاضبة، المترعة قلوبها بآمال التغيير تضغط في سبيل التغيير دون أن تقدر ظروف المرحلة. وكان اتباع سياسة متوازنة ضرورة حيوية لئلا ينفجر المجتمع من الداخل بانحياز قوى موالية للنهج النبوي، ولكنها غير واعية وغير ناضجة، نحو معسكر الثورة المضادة.
* وهكذا، فبعد الصدمة التي شلت قوى الثورة المضادة، وبعد فترة الانتظار التي مرت بها الفئات الأخرى من الأمة، تفجر الموقف من جديد، وعاد الغليان إلى المجتمع، وعادت حالة الإختلاط والاضطراب المحمومة.
وظهرت للإمام علي في هذه المرحلة التي بلغت فيها أزمة الحكم وأزمة الفكر الذروة - ظهرت له بوضوح تام موجع ومدم للقلب معالم تاريخ المستقبل للأمة الإسلامية حافلا بالأهوال والمآسي، وبكل ما فيه من ظلام ودماء، وتمزقات وانهيارات، تتخللها هنا وهناك، في بعض الأحيان، لمعات نور وحالات سلام عارضة، وآمال مضيئة ملهمة، وخيبات أمل قاسية.
لقد رأى، رأى بحدس يضيئه نور نبوي، وعقل مستوعب لحركة التاريخ وآليتها