قد يتم هذا التفاعل في حال السلم والاستقرار الاجتماعي فتكون الفترة الزمنية التي يستغرقها التغيير - بعد فترة الإعداد والاختمار - طويلة نسبيا، لأن التغيير التاريخي يتم في هذه الحالة وفقا لمعادلات السلم والاستقرار التي تجعل الإنسان أكثر أناة وتؤدة في حركته، وأكثر قدرة على الإختيار.
وقد يتم هذا التفاعل في حال الغليان الاجتماعي والقلق العام. في هذا الحال تنشأ ظاهرتان:
الأولى - ظاهرة رفض وتمرد في الجماهير، يغذيها ويؤججها اليأس من العدالة الرسمية، وينعشها الأمل في مستقبل أفضل لهذه الجماهير يتوصل إليه دعاة التغيير.
الثانية - تقابل الأولى وتتولد منها، وهي إجراءات القمع التي تلجأ إليها السلطة الرسمية من أجل أن تضمن سيادة وثبات نظامها وقيمها.
إن هذا القمع يعزز روح اليأس والغضب، ويدفع إلى مزيد من التمرد والرفض، ويرص - بدرجة أعلى من الصلابة والتماسك - ملايين الآمال والمخاوف والأحقاد والشهوات، ويؤجج روح الغضب، ويدفع الجماهير، أكثر فأكثر، نحو العنف باتجاه التغيير.
في هذه الحالة تقصر نسبيا، الفترة الحاسمة التي يستغرقها التغيير - بعد فترة الإعداد والاختمار -.. إن الأحداث تتسارع، ويتعاظم حجمها، وتتسع مساحة الفئات الاجتماعية التي تشارك فيها، وتتصاعد إلى أن تبلغ الذروة التي ينهار عندها العهد التاريخي الذي كان سائدا، ويدخل المجتمع في منعطف من تاريخه جديد.
* إذن البشر لا يتوقفون عن صنع التأريخ، لكنهم قد يصنعون تاريخهم في حال السلم، وقد يصنعونه في حال الغليان والتوتر الاجتماعي، كما قد يصنعونه بالحرب.
وقد لاحظ الإمام علي عليه السلام حركة التاريخ في مظهرها الثاني لأن الظروف السائدة في مجتمعه كانت تدفع بهذا المجتمع نحو هذا المسار الدامي في مواجهة مستقبله المكفهر، الحافل بالأنواء.
*