التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٥٧
وهذه السمة الثانية يدل عليها قول الإمام في النص الآنف تزعزعت فيها سواري اليقين.
3 - مجتمع منقسم على نفسه إلى شيع وأحزاب، تمزقه الصراعات والنزاعات وتجعله خاليا من روح التضامن والتكافل. ومن ثم فلا توجه حركته آمال متحدة وهدف أخلاقي كبير، وإنما توجهه الرغبات الفردية والفئوية بسبب عدم وجود نظام أخلاقي من جهة، وانتشار روح الشك واتباع المقياس الذاتي في القيم من جهة أخرى.
وهذه السمة يدل عليها قول الإمام واختلف النجر، وتشتت الأمر، وضاق المخرج وعمي المصدر....
هذه هي السمات التي تميز الفتنة الشاملة، وتطبع المجتمعات المفتونة بطابعها.
وما جاء من أوصاف للمجتمع في الفقرات التالية من النص الآنف هي نتائج لهذه السمات الثلاث الكبرى: فقدان النظام الأخلاقي والحياة الروحية / شيوع روح الشك واتباع المقياس الذاتي في القيم / الانقسامات الطبقية والفئوية والعائلية، وعدم وجود هدف عظيم ونبيل يوجه حركة المجتمع التاريخية.
هذه هي الفتنة الشاملة.
وتسميتنا لهذه الفتنة ب (الشاملة) ناشئ من ملاحظة أنها مستوعبة لكل المجتمع بحيث لا يخلو منها أي مستوى من مستوياته وأي مظهر من مظاهر الحياة فيه، فهي روحه وعقله:
روحه الملهمة، وعقله الموجه.
ب - الفتنة العارضة الفتنة العارضة: عثرة تعترض سير المجتمع أثناء حركته التقدمية فتشيع الحيرة والالتباس في بعض المواقف، وتعرض بعض الأشخاص القياديين وبعض فئات المجتمع لاختبارات حرجة، وتحفز بعض القيم القديمة للتعبير عن نفسها، ولكن قوة اندفاع المجتمع في حركته التقدمية، وقوة المبادئ التي تحكم سيره في قلوب وعقول أفراده - تحول بين الفتنة وبين أن تنتشر وتتعمق وتضرب بجذورها في ثنايا المجتمع، فسرعان ما ينكشف وجه الحق فيها، وتذبل حركتها، ويخفت صوت الداعين إليها بين
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»