التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٣٨
نقول هذا داعين إلى إعادة النظرة في هذا النهج لمصلحة نهج آخر أقل غلوا، وأكثر واقعية، وأوثق صلة بتكويننا العقيدي والحضاري والثقافي، وأشد مواءمة لمصالحنا في الحاضر والمستقبل، وأوفق بدورنا الذي نطمح إلى استعادته لنساهم به في إنقاذ الإنسان الحديث بتقويم الحضارة الحديثة، وتصحيح مسارها نحو وضعية ملائمة لتكوين الإنسان.
* لقد كانت سياسة أمير المؤمنين علي (ع) - كما سنرى وجوها منها في الفصول التالية..
محكومة بهاجس واحد كبير ونبيل: تكوين الإنسان المسلم المتكامل القوي السعيد، والمجتمع المسلم المتكامل القوي السعيد، الإنسان والمجتمع المؤهلين ليكونا قوة خيرة في العالم، يمثلان طموح الإنسانية الدائم المتوهج نحو مثل أعلى.
وقد كانت، لذلك سياسة لا تستمد مقوماتها من الحفاظ على الذات وعلى مصالح الحاكم وأسرته، فلقد كانت أسرة أمير المؤمنين علي أكثر الناس حرمانا من خيرات حكمه، وكان هو عليه السلام أكثر حرمانا من أسرته.
وكانت سياسته تستضئ بنور الفكر، وتستهدي تعليم الله، وتنفلق من قيم الأخلاق والمناقب التي تشرف الإنسان، ولذا فقد كانت سياسة الإمام إنسانية بكل ما لهذه الكلمة من محتوى.
لم تكن أبدا سياسة الأفعال وردود الأفعال، وحسابات الأرباح والخسائر للحاكم وآله وبطانته... هذه السياسة التي تحمل روح الطيش والغريزة، وتوجه بعقلية مزيج من روح الغاية وروح التجارة.
وقد كان أمير المؤمنين علي في سياسته أمينا لعقيدته، أمينا لشريعته، فلا ينحرف عنهما أبدا، ولا يتجاوزهما - كما لا يقصر عنهما - في أمر من الأمور أو في حالة من الحالات.
أمينا لأخلاقياته القرآنية - النبوية، ولذا فقد جعل من العمل السياسي ممارسة رفيعة للمناقب، أمينا لمجتمعه، فيشركه في اتخاذ القرارات بعد أن يبصره بعواقب سوء الإختيار:
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 137 138 139 141 142 143 144 ... » »»