ونساء هؤلاء الناس مرضى، ذوات أسقام أبدا بكثرة طمثهن، ولا يسقطن، وليس ذلك من طبيعتهن، ولكن من قبل أمراضهن، فإن حبلن أسقطن أكثر ذلك، وأما الصبيان فيصيبهم الكزاز، والربو، والسقم، ورجالهم يعرض لهم البطن، واختلاف الدم، والسقم الذي يدعى ابيالوس، وحمى طويلة شتوية وليلية، وبواسير في المقاعد، وتعرض لهم الحمى المتلهبة، والأمراض الحادة، والرمد الطويل، فإذا أتت لهم خمسون سنة عرضت لهم النزلات من الدماغ، فهيج بهم الفالج العارض في جميع البلدان.
والمدينة التي ناحية الشمال قال: إن كل مدينة موضوعة بإزاء ناحية الرياح الباردة مما يلي ناحية المغرب والمشرق والقطبين، فإن هذه الرياح رياحها البلادية، وتكون مستورة من الرياح الحارة، ومياهها يابسة بطيئة النضح حلوة أكثر ما تكون، وسكان هذه المدينة أكثرهم أشداء أقوياء، سوقهم إلى الدقة اضطرارا، وبطونهم خاشنة، ورؤوسهم صلبة يابسة شديدة، وينالهم الفتق، وأسقامهم ذات الجنب، والعلل الحادة، وكثرة القيح، وعروقهم تنقطع، ويأكلون كثيرا، ولا يعرض الرمد سريعا، فإذا مرضوا تصدعت أعينهم، ويصيبهم إذا بلغوا ثلاثين سنة رعاف كثير، ولا تعرض لهم الأسقام الكاهنية، فإن عرضت كانت شديدة وتطول أعمارهم، وأخلاقهم وحشية غير ساكنة ولا هادنة، ونساؤهم يكن عواقر لبرد الماء ويبسه، وذلك أن الطمث ربما لم يكن على ما ينبغي، فإذا حبلن اشتد عليهن الولاد، ولا يسقطن، ويقل غذاء أولادهن لبرد الألبان، ويعرض لهن الكزاز، ووجع الرئة، ويعرض للصبيان الماء الأصفر في الأنثيين، فإذا كبروا ذهب، ويبطئ احتلامهم.
والمدينة الموضوعة سمت الرياح التي من المطلع القيظي والشتوي قال ابقراط:
كل مدينة موضوعة ناحية شرق الشمس تكون أصح من المدينة الموضوعة ناحية الفرقدين ومن الموضوعة ناحية الرياح الحارة، والحرارة والبرودة فيها أقل وأيسر، وأمراض أهلها قليلة، والمياه الكائنة سمت طلوع الشمس نيرة